الاثنين، مايو 06، 2024

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي قراءة أفكارنا؟ عبده حقي


 لقد أسرت فكرة قراءة العقل البشرية لعدة قرون. من قصص التخاطر عن نار المخيم إلى رؤى الخيال العلمي للآلات التي تفك رموز أفكارنا العميقة، لا يزال هذا المفهوم يحمل جاذبية قوية. اليوم، مع ظهور الذكاء الاصطناعي (AI)، لم يعد السؤال حول ما إذا كانت الآلات قادرة على قراءة عقولنا حقًا مجرد عالم من الخيال.

إن الدماغ البشري هو عبارة عن شبكة معقدة من مليارات الخلايا العصبية التي تتواصل من خلال النبضات الكهربائية. إن رقصة النشاط المعقدة هذه تكمن وراء أفكارنا وعواطفنا وتصوراتنا. السؤال الأساسي لقراءة العقل باستخدام الذكاء الاصطناعي هو ما إذا كان بإمكاننا فك أكواد هذه "الشفرة العصبية" وترجمتها إلى معلومات ذات معنى.

في هذا الصدد يتخذ الباحثون منهجا ذا شقين. تتضمن إحدى الطرق استخدام أجهزة تخطيط كهربية الدماغ (EEG) التي تقيس النشاط الكهربائي في فروة الرأس. بينما يوفر تخطيط كهربية الدماغ صورة واسعة لنشاط الدماغ، إلا أن الدقة محدودة. يستخدم المنهج الآخر فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، والتي تقدم صورًا مفصلة لنشاط الدماغ ولكنها مكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً.

لقد أثبت الذكاء الاصطناعي، وخاصة خوارزميات التعلم العميق، براعته في تحديد الأنماط في مجموعات البيانات المعقدة. وفي مجال واجهات الدماغ والحاسوب، يقوم الباحثون بتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من بيانات نشاط الدماغ التي تم جمعها من المشاركين الذين يؤدون مهام محددة، مثل تخيل الحركة أو عرض الصور. ومن خلال تحليل هذه الأنماط، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم ربط نشاط دماغي محدد بأفكار أو أفعال معينة.

على سبيل المثال، استخدمت دراسة أجريت في جامعة تكساس في أوستن الذكاء الاصطناعي لفك تشفير النص من نشاط الدماغ. استمع المشاركون إلى الكتب الصوتية أثناء ارتداء قبعات EEG يمكن للذكاء الاصطناعي، الذي تم تدريبه على هذه البيانات، التنبؤ بالكلمات الفردية بناءً على الموجات الدماغية للمشاركين بدرجة معينة من الدقة.

وبالمثل، تستخدم الأبحاث في طليعة واجهات التواصل بين الدماغ والحاسوب الذكاء الاصطناعي لترجمة الأفكار إلى أفعال. تخيل أنك تتحكم في طرف صناعي أو صورة رمزية للواقع الافتراضي بمجرد التفكير فيه. تحمل هذه التكنولوجيا إمكانات هائلة للأفراد المصابين بالشلل أو الحالات العصبية الأخرى.

وعلى الرغم من هذه التطورات الواعدة، من المهم الاعتراف بالعقبات الكبيرة التي تعترض طريق القراءة الحقيقية للأفكار. يعد الدماغ نظامًا أكثر تعقيدًا بكثير مما يمكن لأي نموذج ذكاء اصطناعي حالي فهمه بالكامل. يتأثر نشاط الدماغ بعدة عوامل، بما في ذلك المدخلات الحسية والعواطف وحتى الضوضاء في الخلفية. وهذا يجعل من الصعب عزل أنماط محددة مرتبطة بالأفكار الفردية.

علاوة على ذلك، فإن "الشفرة العصبية" نفسها قد لا تكون لغة عالمية. يمكن أن يختلف نشاط الدماغ بشكل كبير بين الأفراد، مما يجعل من الصعب على نماذج الذكاء الاصطناعي المدربة على بيانات شخص ما أن تترجم أفكار شخص آخر.

إن قدرة الذكاء الاصطناعي على قراءة أفكارنا تثير مجموعة من المخاوف الأخلاقية. إن القدرة على الوصول إلى أفكار شخص ما التي لم تتم تصفيتها لها آثار عميقة على الخصوصية والأمان. تخيل عالماً حيث يمكن لسلطات إنفاذ القانون فحص دماغ المشتبه به بحثاً عن أفكار تدينه، أو حيث يستطيع أصحاب العمل تقييم الدوافع الحقيقية للمرشح للوظيفة.

علاوة على ذلك، فإن احتمال التلاعب يصبح مصدر قلق كبير. إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على التأثير على أفكارنا وتصوراتنا، فماذا يعني ذلك بالنسبة للإرادة الحرة وإحساسنا بالذات؟

وإذا كانت قراءة العقل الحقيقية بمعنى الخيال العلمي قد لا تزال بعيدة المنال، فإن التقدم في الذكاء الاصطناعي وواجهات التواصل بين البشر يحمل وعدًا هائلاً لمستقبل التفاعل بين الإنسان والآلة. وبعيدًا عن إمكانية التواصل والتحكم دون الحاجة إلى كلمات أو أفعال جسدية، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تُحدث ثورة في مجالات مثل الطب وإعادة التأهيل.

تخيل مستقبلًا يستطيع فيه الأفراد المشلولون استعادة السيطرة والاستقلال من خلال واجهات الدماغ والحاسوب. أو فكر في إمكانيات علاج الاضطرابات العصبية عن طريق تعديل نشاط الدماغ بشكل مباشر. هذه مجرد لمحات قليلة من إمكانات التحول التي تنتظرنا.

إن السعي لقراءة أفكارنا لا يتعلق ببساطة بفك رموز الدماغ؛ يتعلق الأمر بتكوين فهم أعمق لأنفسنا وعلاقتنا بالتكنولوجيا. مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نتوقع منه أن يلعب دورًا متزايد الأهمية في كشف أسرار الدماغ البشري. يعد هذا الرقص التطوري المشترك بين البراعة البشرية والذكاء الاصطناعي بدفع حدود ما هو ممكن، وتشكيل مستقبل التفاعل بين الإنسان والآلة بطرق لا يمكننا إلا أن نبدأ في تخيلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق