الخميس، يونيو 05، 2025

من الإرادة إلى الإنجاز: فاس على موعد مع المجد الكروي والتنمية الشاملة:عبده حقي

 عندما تتوفر الإرادة السياسية الصادقة، تتحقق المعجزات. هذه ليست عبارة إن


شائية نُرددها في أوقات التفاؤل، بل واقع نعيشه اليوم في المغرب، حيث تحولت رؤية ملكية متبصرة إلى مشاريع ملموسة تُعيد رسم معالم الحاضر، وتُعبد طريق المستقبل. لقد أثبت المغرب أن الاستثمار في الرياضة ليس ترفاً، بل أداة فعّالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومحفز للتحول الحضري في المدن التي تستعد لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى.

إن تنظيم كأس العالم 2030 لا يمثل مجرد لحظة كروية عابرة، بل هو محطة تاريخية تنقل المغرب إلى مصاف الدول التي تُوظف الرياضة كرافعة تنموية شاملة. مشاركة المغرب، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، في احتضان هذا العرس العالمي، هي تتويج لسنوات من العمل الممنهج، وتأكيد على الثقة الدولية في قدرتنا على التنظيم والريادة.
ولا يمكن الحديث عن هذه الدينامية دون الإشارة إلى دور مدينة فاس العاصمة الروحية والعريقة، التي وجدت في تنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2026، ثم كأس العالم 2030، فرصة غير مسبوقة لإعادة التموقع في قلب المشهد الوطني والدولي.
فاس: من التاريخ إلى المستقبل
لقد تحولت فاس في السنوات الأخيرة إلى ورش مفتوح على كل الأصعدة. فبفضل الإرادة الملكية السامية، تم تشييد المركب الرياضي الكبير لفاس، وفق معايير تقنية معترف بها من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ليشكل معلمة رياضية تليق بمدينة ذات عمق حضاري وتاريخي.
ولأن المدينة كانت تفتقر لربطٍ سلس بين مختلف أحيائها، تم إطلاق أشغال توسيع وتحديث الشبكة الطرقية وفق مقاييس عالمية تراعي انسيابية المرور وسلامة المواطنين والزوار. لم يكن الأمر مجرد إعادة تبليط أو تجميل سطحي، بل إعادة هيكلة حقيقية للبنية الحضرية، مع الأخذ بعين الاعتبار تنقل الجماهير والضيوف خلال المباريات الكبرى.
أما على مستوى النقل الحضري فقد شهدت فاس تجديداً غير مسبوق في أسطول الحافلات وسيارات الأجرة، مع تعزيزها بتقنيات حديثة تضمن الراحة والأمان، وفتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة لتوفير خدمات النقل الذكي.
ولأن البنية التحتية وحدها لا تكفي، كان لا بد من مواكبة كل هذه الأوراش بمنظومة ضيافة عصرية. فتم ترميم وتجديد عدد من الفنادق المصنفة، وبناء وحدات فندقية جديدة، تستجيب لمتطلبات الوفود الدولية والإعلاميين والسياح. ولم تغب المطاعم والمراكز الترفيهية عن هذا التحول، حيث شجعت السلطات المحلية المبادرات الحرة، ووفرت بيئة تحفيزية للقطاع الخاص.
الرؤية الملكية: من الملاعب إلى التنمية
ليس من باب المجاملة القول إن هذا الحراك ما كان ليتحقق لولا الرؤية الملكية الرشيدة. فمنذ إعلان ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم 2030، أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن الرياضة ليست هدفاً في ذاتها، بل وسيلة لتحقيق العدالة المجالية، وتوزيع التنمية على الجهات، وتثمين رأس المال اللامادي للمملكة.
هذه الرؤية تجسدت على الأرض، حيث لم تتركز الاستثمارات في محور الرباط-الدار البيضاء فقط، بل امتدت إلى مدن مثل فاس، وأكادير، ومراكش، ووجدة، وطنجة، مما يعكس وعياً استراتيجياً بأهمية التوازن الجهوي، وربط التنمية بمقدرات كل منطقة.
رهان النجاح: حُسم منذ البداية
اليوم، ونحن على مشارف احتضان نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2026، وبعدها مونديال 2030 أستطيع أن أقول بثقة إن المغرب كسب الرهان، لا فقط من زاوية التنظيم، ولكن من زاوية التحديث الشامل. لقد أصبح المواطن المغربي يلمس أثر هذه المشاريع في حياته اليومية، من خلال جودة الطرق، ووسائل النقل، وتوسيع فرص الشغل، وارتفاع مستوى الخدمات.
كما أن إشعاع المغرب إقليمياً ودولياً تعزز، بفضل حسن الاستقبال، وقوة التسيير، وحضور صورة الملك كرجل دولة يؤمن بالتنمية من بوابة الرياضة، وبالإنجازات من خلال التخطيط والعقلانية.
لقد أعادت الرياضة تعريف علاقة المواطن المغربي بمدينته، وأعادت الاعتبار لمدننا كفضاءات قادرة على احتضان العالم. وإذا كانت فاس قد تحولت إلى نموذج يُحتذى به، فإن ذلك لم يكن ليحدث دون وجود إرادة سياسية تؤمن بأن التنمية ليست شعاراً، بل قرارٌ ملكي يتحول إلى عمل جماعي، ومشروع وطني يُترجم إلى واقع.
بكل فخر، أقول: كأس العالم 2030 ليس فقط موعداً رياضياً… بل وعدٌ مغربيٌّ بالتنمية والنهضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق