في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية التي تخنق الجزائر، تتداول مصادر موثوقة من محيط الرئاسة أن الرئيس عبد المجيد تبون يعتزم إجراء تعديل وزاري واسع النطاق بعد عيد الأضحى، خلال الأسبوع الثاني من شهر يونيو. إلا أن ما يبدو كمبادرة إصلاحية يُخفي، بحسب معطيات وتحليلات عديدة، استمرارًا في النمط ذاته من الحكم، حيث تغيّر الوجوه ولا يتغيّر جوهر السلطة.
هذا التعديل الوزاري
ليس الأول من نوعه في عهد تبون، بل يأتي في سياق متكرر من تغييرات حكومية لا تكاد تثمر
عن نتائج ملموسة. فمنذ تولي تبون الحكم في نهاية عام 2019، تعاقب على بعض الوزارات
الحساسة ما لا يقل عن خمسة وزراء، دون أن تنجح هذه التغييرات في انتشال البلاد من أزماتها
المتفاقمة. ومرد ذلك، كما يرى كثير من المراقبين، ليس فقط إلى ضعف الكفاءات الوزارية،
بل إلى محدودية صلاحياتهم داخل منظومة حُكمٍ بات فيها القرار الحقيقي محصورًا في دائرة
ضيقة من المستشارين المقربين من الرئيس.
فعلى عكس ما كان عليه
الوضع خلال عهد عبد العزيز بوتفليقة، حين كان للوزراء حضور فعلي وتأثير ملموس في رسم
السياسات وتنفيذ البرامج، أصبحت حكومة تبون اليوم أشبه بـ"جهاز تنفيذي شكلي"،
يتلقى التعليمات من قصر المرادية ولا يملك المبادرة أو حتى القدرة على الاعتراض.
ويبدو أن نية الرئيس
تبون في "كنس الطاولة"، حسب تعبير أحد المقربين منه، تشمل شخصيات بارزة من
حكومته الحالية مثل الوزير الأول نذير العرباوي، ووزير الداخلية إبراهيم مراد، ووزير
الصناعة، ووزير الطاقة، ووزير العدل، ووزير التجارة، إضافة إلى وزراء آخرين في قطاعات
حيوية لم ينجحوا – بحسب تقارير داخلية – في تحقيق أدنى مستويات الأداء.
لكن التغيير في حد
ذاته لا يكفي. فالاقتصاد الجزائري يعاني من تدهور حاد في قيمة الدينار، حيث وصل سعر
صرف اليورو في السوق الموازية إلى أكثر من 260 دينارًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ
البلاد. كما أن القدرة الشرائية للمواطن تراجعت بشكل كارثي، في ظل استمرار التضخم،
وارتفاع أسعار اللحوم المستوردة بمناسبة عيد الأضحى، حيث بلغ سعر الخروف الواحد أكثر
من 100 ألف دينار، بينما لا يتجاوز متوسط الأجور 42 ألف دينار شهريًا.
في موازاة الأزمة الاقتصادية،
تعاني البلاد أيضًا من أزمة دبلوماسية مع عدة شركاء إقليميين ودوليين، من بينهم فرنسا،
والإمارات، والمغرب، ودول الساحل. أما على الصعيد الصناعي، فلا تزال الجزائر متأخرة
عن إطلاق مشاريع كبرى أو تحقيق أي شكل من أشكال التصنيع المحلي الحقيقي، باستثناء بعض
المبادرات المحدودة مثل مشاريع تحلية المياه أو خط السكة الحديدية الرابط بين العاصمة
والجنوب، والتي لم تكتمل بعد ولم تظهر نتائجها.
في هذه الأجواء، لا
تحظى فكرة التعديل الوزاري بأي اهتمام من الرأي العام. فقد فقدت مثل هذه الإعلانات
بريقها، لأنها لم تعد تمثل نقطة تحوّل حقيقية في سياسة البلاد. المواطن يدرك اليوم
أن الوزير لا يملك سلطة حقيقية، وأن السلطة الفعلية بيد مستشارين نافذين في قصر الرئاسة،
يتحكمون في الملفات الحساسة، من الاقتصاد إلى الإعلام، ومن العلاقات الخارجية إلى الشؤون
الأمنية. حتى رئيس الحكومة نفسه لم يعد سوى موظف بروتوكولي، يستقبل الوفود ويشارك في
المراسيم دون صلاحيات تنفيذية تُذكر.
إن الأزمة في الجزائر
ليست في الأشخاص، بل في نمط الحكم. هناك فراغ مؤسسي عميق، وتضخم في نفوذ غير المنتخبين
من المستشارين والمقرّبين، في مقابل تهميش ممنهج للحكومة والبرلمان وحتى الأحزاب السياسية.
لقد تحولت الجزائر إلى نموذج لـ"الحكم الموازي"، حيث تصدر الأوامر من دائرة
ضيقة مغلقة، دون رقابة أو شفافية أو مساءلة.
وإذا كانت الرئاسة
بالفعل تعتزم إحداث تغيير حقيقي، فإن المطلوب ليس مجرد تغيير الأسماء، بل إعادة النظر
في طريقة إدارة الدولة. فالحلول المؤقتة، والقرارات الشعبوية، واستبدال الوزراء كل
ستة أشهر، لن تعالج الأزمة البنيوية التي تغرق فيها البلاد. ما تحتاجه الجزائر هو انتقال
فعلي إلى حكامة رشيدة، تقوم على تفويض السلطات، والمسؤولية المؤسسية، والاستقلالية
في القرار التنفيذي، وربط السلطة بالمحاسبة.
في النهاية، يمكن القول
إن أي تعديل وزاري في السياق الحالي، ومن دون إعادة تعريف طبيعة العلاقة بين الرئاسة
والحكومة، سيكون مجرد تعديل تجميلي، لا يغير شيئًا في عمق الأزمة. بل على العكس، قد
يُكرّس مزيدًا من فقدان الثقة بين السلطة والمجتمع، ويؤكد للمواطن أن الحكومة لا تزال
مجرّد واجهة لحكم فردي مطلق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق