في الخامس عشر من يونيو 2025، بثّت إحدى القنوات حلقة مثيرة أثارت عاصفة من الجدل والنقاشات الساخنة. لم يكن محتوى البرنامج عادياً، بل حمل عنواناً يحمل نذير خطر: "خفايا خطة خطيرة تهدف لتحويل الجزائر إلى إيران شمال إفريقيا". لم يأتِ مقدم البرنامج بوثائق سرية أو اعترافات رسمية، بل اعتمد على ما سمّاها "قرائن مقلقة"، تربط بين ما يحدث في ليبيا والساحل الأفريقي، وما يشهده الشرق الأوسط، لتفسير التحوّل التدريجي في نظرة القوى الإقليمية والدولية إلى الجزائر.
ما يثير القلق في هذا
الطرح ليس فقط التشبيه بين الجزائر وإيران، بل في السياق السياسي الذي يُبنى عليه هذا
التشبيه. فبحسب ما ورد في الحلقة، هناك خطة إعلامية-دبلوماسية تسعى إلى تصنيف الجزائر
كدولة راعية للإرهاب، تماماً كما وُصفت إيران لعقود. إن هذا التصنيف لا يأتي من فراغ،
بل تغذّيه تقارير ومواقف، من بينها تغريدة مثيرة نشرها أحد أبرز اللوبيات الإسرائيلية،
جاء فيها: "اليوم إيران... وغداً الجزائر". وقد أرفق التغريدة بصورة تضع
الجزائر جنباً إلى جنب مع إيران، وتتهمها صراحة بدعم جماعات إرهابية في الساحل مثل
"القاعدة في بلاد المغرب" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
من هو هذا اللوبي؟
لا يتعلق الأمر بشخص عادي. بل هو باحث في الجيوسياسة، أستاذ جامعي، ومقرب من المؤسسات
الأمنية الإسرائيلية. نشاطه الفكري والإعلامي يمتد إلى مؤسسات دولية وقنوات كبرى، ويقود
مركز أبحاث يسعى صراحة إلى "تفسير التخلف والديكتاتورية في العالم العربي بعدائه
لإسرائيل". عندما يصدر مثل هذا الاتهام من شخصية بهذا الثقل، يصبح الأمر أكثر
من مجرد دعاية، بل إشارة إلى توجه رسمي أو تحضير لمرحلة جديدة من الضغط السياسي والإعلامي.
لكن الخطر لا يكمن
فقط في صورة تُنشر أو خطاب يُكرّر. الخطر الأكبر، بحسب البرنامج، هو في استعداد أطراف
إقليمية للانخراط في هذا المخطط. فمن الغرب، يعمّق المغرب شراكته العسكرية مع إسرائيل.
ومن الشرق، يعيد المشير حفتر تموضعه، بدعم إماراتي وإسرائيلي. حتى تركيا، التي كانت
حتى وقت قريب على خلاف مع حفتر، استقبلت نجله وأبرمت معه صفقات تسليح وتعاون عسكري،
في مشهد يعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة.
كل هذا يجعل الجزائر
تبدو، في عيون البعض، دولة معزولة، اختارت الوقوف مع قوى هامشية أو حركات انفصالية
ليس لها مستقبل، بدلاً من بناء تحالفات ذكية. ووسط هذا العزلة، يتزايد الترويج لفكرة
أن الجزائر تُشكّل عقبة أمام "السلام الإقليمي"، في خطاب يُعيد تكرار ما
قيل عن إيران قبل عقود، تمهيداً لحصارها وتجريدها من أدوات التأثير.
غير أن كاتب البرنامج
لا يحمّل المسؤولية للخارج فقط، بل يضع إصبعه على جراح الداخل الجزائري. إذ يرى أن
جزءاً من هذا التدهور السياسي والجيوسياسي هو نتيجة مباشرة لسوء إدارة النظام الحالي،
الذي اختار، حسب رأيه، سياسات خارجية عدائية وغير عقلانية، وراهن على جماعات بلا شرعية،
سواء في ليبيا أو في الساحل، ما أفقد الجزائر صداقتها مع جيرانها، مثل مالي والنيجر
وحتى تونس.
البرنامج لم يكتفِ
بالتحليل السياسي، بل ختم بدعوة واضحة: الجزائر اليوم بحاجة إلى إصلاح داخلي جذري،
لا إلى خطاب شعبوي أو شعارات وطنية خاوية. فالمعركة القادمة، إذا ما صحّت هذه التوقعات،
لن تُخاض بالشعارات، بل بالتنمية الذاتية، بالعدل الاجتماعي، بإعلام حرّ، وباقتصاد
قوي يمكّن البلاد من الحفاظ على سيادتها. فالحب وحده لا يكفي لحماية الوطن، والوطنيون
الفقراء لا يستطيعون تمويل جيش ولا بناء دبلوماسية مؤثرة.
هكذا، إذن، يقدَّم
السيناريو: مشروع إقليمي كبير، تقوده إسرائيل وحلفاؤها، يعيد هندسة التوازن في الشرق
الأوسط وشمال إفريقيا، عبر تحالفات ذكية، تطويق للخصوم، وشيطنة من لا يدخل في هذا النسق
الجديد. وفي قلب هذا المشروع، تقف الجزائر، لا كقوة ممانعة فقط، بل كهدف ينبغي تحييده،
ثم عزله، وربما ضربه.
الخلاصة أن الجزائر
ليست فقط ضحية "مؤامرة خارجية"، بل أيضاً نتيجة لسلسلة من الأخطاء التي جعلتها
عرضة للاختراق والتهميش. وحدها إصلاحات داخلية حقيقية، تقوم على الحكم الرشيد والانفتاح
والتخطيط الذكي، يمكن أن تعيد رسم موقع الجزائر في الخريطة الجديدة قبل أن تُرسم نهائياً
دونها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق