الاثنين، سبتمبر 15، 2025

كيف نحافظ على إنسانيتنا في زمن الذكاء الاصطناعي؟ عبده حقي


لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مساعدة في تفاصيل حياتنا اليومية، بل تحول إلى قوة معرفية متسارعة وحثيثة تضع البشرية أمام أسئلة وجودية كبرى. فإذا كانت الآلة قادرة على اجتياز امتحانات المحاماة، وفهم الرسوم العلمية، وصياغة النصوص المعقدة، فما الذي يتبقى للإنسان ليشعر بفرادته وضرورته؟ هذه ليست مجرد مخاوف عابرة، بل هواجس ترتبط بمعنى الكرامة الإنسانية، وبمصير الأجيال المقبلة التي ستجد نفسها تعيش في ظل عقول صناعية تزداد تفوقاً يوماً بعد آخر.

الصدمة الأولى التي قد يواجهها الإنسان أمام تفوق الآلة هي أزمة الهوية. فالمهارات التي اعتدنا اعتبارها حصناً للذكاء البشري ــ كالتفكير النقدي، التحليل، والابتكار ــ باتت مهددة بالاستحواذ من طرف مساعدين تقنيين أذكياء. من هنا تنبع مخاوف واسعة من شعور جماعي باللاجدوى، ومن انحدار قيمة الإنسان في مجتمعات تقدّس الإنتاجية والمؤشرات الرقمية.

لكن النجاة والانفكاك ليس مستحيلا . فالتاريخ قد علّمنا أن كل ثورة تكنولوجية تفرض إعادة صياغة لمفهوم العمل والمعرفة. أمام الذكاء الاصطناعي، تكمن فرصتنا في استعادة ما لا تستطيع الآلة محاكاته بعمق: التعاطف، الحكمة الأخلاقية، القدرة على نسج القصص، الإبداع الذي يتجاوز منطق البرمجة، والعلاقات الإنسانية التي تُبنى على العاطفة والثقة.

القدرة على التعلم مدى الحياة لم تعد ترفاً بل ضرورة. فالمهن تتغير بوتيرة أسرع مما نتوقع، ومن يكتفي بما تعلمه في الجامعة أو في بداية مساره العملي قد يجد نفسه خارج اللعبة. المطلوب أن نتقن لغة الآلة نفسها، لا لمنافستها، بل لجعلها شريكاً يضاعف قدراتنا.

ومن الخطأ أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه خصماً يريد إقصاءنا. الأجدى أن نفكر فيه كأداة تكملنا وتوسع أفقنا. الطبيب الذي يستعين بقدرات الذكاء الاصطناعي في التشخيص، أو الكاتب الذي يوظفه لتجريب أنماط سرد جديدة، يمثلان نموذجاً لتزاوج الخيال البشري مع سرعة الآلة ودقتها.

إذا كان السؤال الأهم هو: "كيف نبقى بشراً؟"، فإن الجواب يمر عبر ترسيخ ضوابط أخلاقية تشرف على مسار هذه الثورة. المطلوب حوار عالمي يضع حدوداً لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ويضمن أن يبقى في خدمة الإنسان لا في خدمة حفنة من الشركات العملاقة أو نزوات السلطات.

حين تسقط أوهام التفوق الفردي أمام قدرة الآلة، يصبح على الإنسان أن يبني تقديره لذاته على أسس أعمق: الانتماء إلى مجتمع، الإيمان بقيمة المشاركة، أو البحث عن معنى يتجاوز حسابات السوق. فالصمود في هذا الزمن يتطلب روحاً مرنة، قادرة على مواجهة الإحباط، وعلى ابتكار أشكال جديدة من العيش الكريم.

إن التحدي الذي يطرحه الذكاء الاصطناعي لا يكمن فقط في سرعة تطوره، بل في قدرتنا نحن على إعادة تعريف ذواتنا وقيمنا في ظله. قد نكون مقبلين على مرحلة تاريخية تجعلنا أكثر وعياً بأن الإنسانية ليست مجرد قدرة عقلية، بل منظومة قيم وعلاقات وروايات تمنحنا فرادتنا. ولعل "النجاة" في النهاية لا تعني مقاومة الآلة بقدر ما تعني التوفيق بين حضورها المتنامي وحاجتنا المستمرة إلى أن نعيش بكرامة وحرية ومعنى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق