نشرت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية مقالاً لافتاً اعتبرت فيه أن المغرب يعيش واحدة من أهم التحولات الاقتصادية والجيوستراتيجية في المنطقة، بعدما تحول إلى قوة صناعية وتجارية صاعدة، تنشط موانئه ومصانعه بالحركة، في مشهد يشي ببداية مرحلة جديدة لا يمكن تجاهلها إقليمياً ودولياً.
منذ عام 2020، تدفقت إلى المغرب استثمارات أجنبية مباشرة تجاوزت 40 مليار دولار، ما جعل المملكة أكبر وجهة صناعية في إفريقيا، متفوقة على دول أوروبية عدة.
هذا الزخم ترافق مع
ارتفاع صادرات المغرب بنسبة الثلثين خلال خمس سنوات، وهو ما يعكس نجاح السياسات التي
أطلقها الملك محمد السادس، مركّزة على البنى التحتية الكبرى: الكهرباء، الموانئ، الطرق،
السكك الحديدية، إلى جانب الطاقات المتجددة من شمس ورياح.
أبرز هذه المشاريع
كان القطار فائق السرعة "البُراق" الرابط بين طنجة والدار البيضاء، وتوسعة
ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح الأكبر في إفريقيا وحوض المتوسط، مع استثمارات إضافية
بقيمة 500 مليون دولار لرفع طاقته الاستيعابية.
واليوم، تغادر الميناء
سفن محملة بالسيارات وقطع الغيار نحو أوروبا بمعدل رحلة كل ساعة تقريباً، فيما بلغ
حجم المبادلات عبر الموانئ المغربية نحو 241 مليون طن سنة 2024.
تحتل صناعة السيارات
مكانة مركزية في هذا التحول. فقد جذب المغرب شركات عملاقة مثل رينو وستيلانتيس، إضافة
إلى مزوّدين عالميين مثل يازاكي وفوريسيا بفضل اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي
والولايات المتحدة وأكثر من 60 دولة، أصبحت المملكة عام 2024 أول مصدّر للسيارات إلى
أوروبا متفوقة على الصين واليابان، بقيمة قاربت 15 مليار يورو.
وتُنتج مصانع رينو
وستيلانتيس ما يقارب 700 ألف سيارة سنوياً، فيما يوظف القطاع نحو 220 ألف عامل ويساهم
بـ22% من الناتج المحلي الإجمالي. ولا يقتصر الأمر على السيارات التقليدية، بل يمتد
إلى المركبات الكهربائية والهجينة، ما يضع المغرب في قلب التحول العالمي نحو الطاقة
النظيفة.
لم يتوقف الأمر عند
السيارات، فالمغرب رسخ موقعه أيضاً في صناعة الطيران، حيث تنتج مصانع بمدن مثل القنيطرة
وفاس قطعاً تدخل في صناعة طائرات إيرباص وبومباردييه وسافران. كما استثمرت شركات صينية
أكثر من 10 مليارات دولار في مشاريع السيارات الكهربائية والبطاريات، من أبرزها مصنع
ضخم للبطاريات بكلفة 6,5 مليارات دولار قيد الإنشاء في القنيطرة.
أما في مجال الطاقات
المتجددة، فقد أطلق المغرب مشاريع كبرى للهيدروجين الأخضر بقيمة تفوق 32 مليار درهم،
بالشراكة مع شركات عالمية كـ"ناريفا" و"أكوا باور".
مدينة الدار البيضاء
المالية تحولت إلى مركز إقليمي جذاب، حيث استقطبت شركات كبرى مثل بوسكو الكورية وNG الفرنسية.
ومع مشاريع البنية التحتية الجديدة مثل موانئ الداخلة والناظور غرب المتوسط، والطرق
السريعة الممتدة حتى أقصى الجنوب، والربط السككي بين 43 مدينة، يعزز المغرب موقعه كبوابة
بين أوروبا وإفريقيا والأطلسي.
لا تقتصر النهضة على
الصناعة فحسب، بل تمتد إلى البنية التحتية الرياضية والسياحية. فقد استثمر المغرب بكثافة
في تأهيل الملاعب استعداداً لاحتضان كأس إفريقيا للأمم ومونديال 2030 المشترك، مع بناء
مجمعات رياضية متعددة الاختصاصات، وحتى مشروع طموح لحلبة سباقات سيارات دولية قرب طنجة
قد تعيد القارة الإفريقية إلى روزنامة الفورمولا 1.
كما تعززت البنى الصحية
المرافقة بإنشاء مستشفيات ومراكز علاج وتأهيل رياضي، أبرزها برج ابن سينا الجديد بالرباط
الذي يعد الأكبر في إفريقيا. هذه المشاريع توازيها طفرة سياحية جعلت المغرب الوجهة
الأولى إفريقيا، مع أكثر من 17,5 مليون سائح عام 2024، والهدف بلوغ 20 مليوناً قريباً.
رغم تحديات مثل تسجيل
عجز تجاري بلغ 162 مليار درهم في النصف الأول من 2025، يرى الخبراء أن الدينامية الاستثمارية
وتنوع الشركاء كفيلة بتجاوزها. فالمغرب يستند إلى موقع استراتيجي يجعله محوراً لمشاريع
كبرى مثل أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، ومبادرات الربط القاري بين الأطلسي والساحل والصحراء.
وبذلك، يؤكد تقرير ذي
إيكونوميست أن المغرب
يجمع بين رؤية استراتيجية بعيدة المدى وسياسات عملية جعلت منه ليس مجرد بلد منخفض الكلفة،
بل فاعلاً أساسياً في سلاسل القيمة العالمية، ولاعباً إقليمياً يغيّر موازين القوى
الاقتصادية والتجارية في محيطه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق