الثلاثاء، مايو 07، 2024

مكاشفات : (24) عبده حقي

462

سماء مضيئة، وألوان مائية مجروحة تنزف باللونين الأرجواني والبرتقالي، ممتدة فوق. تحت قدمي، كان هناك منظر طبيعي منحوت من الأحلام المنسية - كثبان من غبار حجر القمر تموجت مع النسيم غير الموجود، في حين أن الأشجار الهيكلية، التي تتخبط أغصانها في السماء المكدومة، تلقي بظلال بشعة تتلوى مثل الأشباح.

463

ومن بعيد، لمعت مدينة، سرابًا بني من مرايا محطمة. كانت مبانيها، ذات الأشكال الهندسية المستحيلة التي تحدت إقليدس، تنبض بضوء داخلي، وتُلقي توهجًا متلونًا على مشهد الأحلام. مشيت، وكانت كل خطوة بمثابة غزوة مترددة إلى المجهول، وكانت الأرض تتحرك تحت قدمي مثل خدعة يد تاجر.

464

كان الهواء، الممتلئ برائحة المسك من الرهانات المنسية والغبار الكوني، ملتصقًا بي، كتذكير متخم بالمخاطر. الصمت، الذي لم يكسره سوى دقات قلبي غير المنتظمة، وقرع الطبول المحموم على خلفية هذا الكازينو السماوي.

465

كتلة ضخمة متراصة، قالب متحجر مصبوب في لعبة منسية، تتجسد من الضباب المتلألئ. كان سطحه يحمل سيلزًا دوارة، ورموزًا غامضة تنبض بتألق من عالم آخر. لقد انجذبت بقوة غير مرئية، ومددت يدي، وأنا أمسح بأطراف أصابعي النص الفضائي.

466

موجة من الطاقة، الجائزة السماوية، اجتاحتني، وتركتني لاهثًا. لقد ذاب العالم في مشهد من الذكريات - ليست ذكرياتي، بل أصداء آلاف المقامرات الكونية، والانتصارات المحفورة في الأبراج، والهزائم التي تهمس بها الجمرات المحتضرة للنجوم المحتضرة.

467

عندما هدأت الرؤى، لم أعد وحيدا. شخصيات أثيرية تتجسد في المدينة المتلألئة. أشكالهم، مزيج متناغم من الضوء والظل، دعتني لأقترب. لقد تحدثوا، ليس بالكلمات، بل بالعواطف - نشاز من الفرح الكوني واليأس الوجودي، سيمفونية الصدفة التي لعبت عبر الدهور.

468

لقد كانوا نساجي القدر، وموزعي الطعام في الوجود، مرتبطين إلى الأبد بعجلة الحظ السماوية. تحدثوا عن لعبة كبرى، مقامرة كونية حيث الحقائق معلقة في الميزان. وأنا، اللاعب الحائر من ركن منسي من الكون، أصبحت بيدقهم، وبطاقة البدل الخاصة بهم في هذه اللعبة السماوية عالية المخاطر.

469

استقر ثقل هدفهم على كتفي، وهو عبء مبهج ومرعب في نفس الوقت. هنا، في مشهد الأحلام السريالي هذا، على شفا النسيان الكوني، وقفت شاهدًا وحيدًا على مقامرة الوجود الكبرى. وبنفس عميق، احتضنت المستحيل، الدور الذي فرضه عليّ الكون نفسه. في عالم الحظ هذا، سأصبح بطلهم، سحر حظهم، شهادة على قوة القدر الدائمة، حتى في مواجهة نتيجة غير معروفة.

470

وسط همسات الريح ، رقصت الأرجوحة القديمة رقصة الفالس الحزين، المعلقة بين الأرض والسماء مثل حلم منسي. كانت كل اهتزازة لطيفة تثير أصداء الضحك، يحملها النسيم مثل همسات هشة من الماضي البعيد.

471

وقفت أمام تلك الآثار البالية، كحارس صامت وسط رمال الزمن المتغيرة باستمرار. الأرجوحة، الشاهد الصامت على مرور الفصول، تحمل في سلاسلها الصدئة ثقل ذكريات لا حصر لها، منسوجة في قماش مقعدها المهترئ.

472

مع كل نسمة همسة من الريح، كنت أشعر بأن نبضات الحنين تشق طريقها حول قلبي، وتجذب خيوط اللحظات المنسية. رأيت نفسي كطفل، أقدامي ترفس الأرض في سعي لا نهاية له نحو السماء، والضحكة تتدفق من شفتي مثل الموسيقى.

473

ولكن تحت سطح المرح تكمن حقيقة أعمق، سيمفونية حلوة ومرّة من الفرح والحزن متشابكة. كانت الذكريات، مثل الظلال التي يلقيها ضوء النهار المحتضر، تتراقص عبر المناظر الطبيعية في ذهني، وترسم صورًا للحظات ضائعة بسبب ويلات الزمن.

474

ومع ذلك، وسط مد وجزر الذاكرة، كان هناك نوع غريب من الجمال، مرونة هشة أزهرت في شقوق الأحلام المكسورة. لأنه حتى عندما كانت الأرجوحة تتمايل، وكانت سلاسلها تئن احتجاجًا، كنت أعلم أن جوهر الأبدية يكمن في حضنها المتهالك.

 

475

لذا أغمضت عيني واستسلمت لإيقاع البندول المتأرجح، سامحة لنفسي بأن تنجرف بعيدًا في تيارات النعيم المنسي. في تلك اللحظة العابرة من الاستسلام، وجدت العزاء في معرفة أنه حتى عندما يدور العالم، فإن أصداء الضحك ستظل باقية في النسيم، وهي شهادة على قوة الذاكرة الخالدة.

476

تحت أشجار أزهار الكرز، تبادلنا قبلة، الحب يتفتح مثل زهور الربيع. تساقطت البتلات الوردية بلطف حولنا، فخلقت سجادة من النعومة يمكننا الوقوف عليها.

477

بدا وكأن العالم يتوقف عندما التقت شفاهنا، لحظة معلقة في الزمن. لقد كانت قبلة ناعمة وحنونة، قبلة تتحدث عن الحب والوعود غير المعلنة.

478

لقد ازدهر الحب بيننا، تمامًا مثل أزهار الكرز من حولنا. لقد كان حبًا حلوًا ونقيًا، حبًا يعد بأيام أفضل وأوقات أحلى.

479

تحت أزهار الكرز، وجدنا الحب. كان الحب، مثل أزهار الكرز، جميلاً وعابرًا وثمينًا بشكل لا يصدق.

480

وبينما كنا واقفين هناك، تحت أزهار الكرز، عرفت أنني كنت في المكان الذي يجب أن أكون فيه بالضبط. معها، تحت أزهار الكرز، يتفتح الحب كالزهور في الربيع.

481

استنشق العالم، إشارة جماعية حركّت أوراق الشجر خارج نافذتي. بكلمة هامسة، ناعمة كجناح فراشة تمشط مخملًا، نسجت خيوط الواقع. أصبح الهواء نفسه مشحونًا، همهمة ملموسة تردد صداها في عظامي. كانت لغة أقدم من الزمن، تهمس في الريح منذ فجر الخليقة.

تابع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق