الجمعة، يونيو 20، 2025

هل دخلت قضية القبايل الجزائرية مرحلة دولية حاسمة؟ ترجمة عبده حقي


في منعطف جديد يفتح أبوابًا واسعة أمام تدويل قضية منطقة القبائل، رفضت العدالة الفرنسية، في 14 مايو 2025، تسليم إبراهيم باباسي المعروف إعلاميًا باسم أكسل باباسي، أحد أبرز قيادات حركة "الماك" (الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل)، إلى السلطات الجزائرية. هذا القرار جاء ليفند اتهامات وطلبات تسليم مبنية، حسب القضاء الفرنسي، على أدلة غير موثوقة ووثائق مشبوهة.

فباباسي، الذي كان في السابق تحت رقابة قضائية مشددة، وُجهت له اتهامات بالمشاركة في إشعال حرائق الغابات التي اجتاحت منطقة القبائل في أغسطس 2021، إلى جانب اتهامه بالتورط في مقتل الناشط جمال بن سماعيل. غير أن المحكمة الفرنسية اعتبرت أن الجزائر لم تقدم أي دلائل قانونية جدية تدينه، بل ذهبت أبعد من ذلك، حين كشفت تناقضات في الوثائق الرسمية، بما فيها ظهور مفاجئ لسجل عدلي مليء بالأحكام بعد أكثر من عام من إرسال ملفات نظيفة.

الملف تجاوز أبعاده القضائية، لينتقل إلى ساحة الجدل السياسي والدبلوماسي، خاصة مع تنامي نشاط حركة "الماك" في فرنسا، واستقبال وفودها في مؤسسات رسمية فرنسية مثل البرلمان ومجلس الشيوخ. ففي أبريل ويونيو 2025، استقبلت شخصيات سياسية فرنسية بارزة ممثلين عن الحركة، وأعربوا عن دعمهم لـ"حق الشعب القبائلي في تقرير مصيره"، في خطوة أثارت حفيظة السلطات الجزائرية التي تصنّف الماك كتنظيم إرهابي منذ مايو 2021.

أكسل باباسي، الذي وُصف بأنه أصبح الرقم الثاني في الحركة بعد فرحات مهني، لم يُخفِ طموحه السياسي، ولم يتردد في وصف ما يحدث في القبايل بـ"الاحتلال الداخلي" من قبل الدولة الجزائرية، مشيرًا إلى أن ما يدفعه نحو الاستقلال ليس حقدًا على الجزائر، بل قناعة بأن القيم التي نشأ عليها الشعب القبائلي، من حرية وكرامة وهوية أمازيغية، لا تجد موطئ قدم في منظومة الحكم المركزية الحالية.

الحوار الذي أجري معه لم يخلُ من الاتهامات المباشرة للمخابرات الجزائرية، سواء فيما يخص اغتيال ابن فرحات مهني في باريس، أو التدخل في القضاء الفرنسي من خلال تقديم ملفات مفبركة. كما لم يتردد باباسي في اتهام النظام الجزائري بتعمد إذلال القبائل في المطارات وأروقة الإدارات، وملاحقة حتى من تربطهم علاقات اجتماعية بأعضاء الماك.

لكن اللافت في كل ما جاء به باباسي، هو اعترافه بأن الحركة ليست جاهزة بعد لتقديم رؤية اقتصادية مكتملة حول استقلال القبائل، وهو ما يطرح تساؤلات جدية عن واقعية مشروع الاستقلال، خاصة في ظل تشعب الوضع الديمغرافي، ووجود ملايين القبائليين خارج المنطقة، سواء داخل الجزائر أو في المهجر.

من اللافت أن تتقاطع قضية حركة "الماك" القبائلية مع قضية الصحراء المغربية، لا من حيث الطابع الانفصالي، بل من حيث الحديث عن حلول سياسية واقعية في إطار السيادة الوطنية. ففي الوقت الذي أقر فيه المجتمع الدولي بمصداقية مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة المغربية كحل نهائي للنزاع المفتعل في الصحراء، بدأ صوت المطالبة بحكم ذاتي لمنطقة القبائل يلقى آذانًا صاغية في عدد من المحافل الحقوقية والبرلمانية الغربية، خاصة في ظل تعنت النظام الجزائري ورفضه الاعتراف بالتعدد الثقافي واللغوي داخل حدوده.

وبينما تُتهم البوليساريو بالارتهان الكامل لأجندة الجزائر العسكرية وتمويلها وتسليحها، وتورطها في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، فإن حركة الماك تتبنى خطابًا مدنيًا يدعو إلى حل سياسي ديمقراطي في إطار حكم ذاتي أو استقلال موسع، على غرار ما تطالب به جهات دولية عديدة، مستلهمةً في ذلك النموذج المغربي الذي بات يُطرح اليوم مرجعية للحلول التوافقية في المناطق المتنازع عليها.

قرار القضاء الفرنسي يمثل صفعة قانونية للسلطات الجزائرية، لكنه لا يعني نهاية المطاف. فمن المرجح أن تواصل الجزائر حملتها الدبلوماسية ضد الحركة، في محاولة لعزلها سياسيًا وقانونيًا. بالمقابل، يسعى الماك إلى توسيع قاعدته داخل أوساط الشتات القبائلي في أوروبا، واستثمار هامش الحرية في المجتمعات الديمقراطية لعرض قضيته.

غير أن التحدي الأكبر أمام الحركة يظل داخليًا: فمدى تماسك القاعدة الشعبية في منطقة القبائل، ومدى قدرتها على الاستمرار في دعم خيار الانفصال، هما العاملان الحاسمان لمصير المشروع. ويبدو أن غياب برنامج اقتصادي واضح، وصعوبة فصل القبائل ديمغرافيًا عن باقي الوطن، يُضعف من فرص تحويل الحلم السياسي إلى واقع عملي.

لكن واقع الحال اليوم يقول: إن فرنسا قالت لا للجزائر، وإن الماك قالت نعم للعالم. وفي خضم هذا التجاذب، تبقى القبايل تبحث عن صوتها، وعن خريطة طريق تحفظ كرامتها وتضمن مستقبل أبنائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق