الجمعة، يونيو 20، 2025

الحكم الذاتي مشروع موثوق في مواجهة الدعاية الانفصالية الجزائرية: عبده حقي


في كل مرة تشتد فيها حملات التضليل الإعلامي الصادرة عن أبواق البوليساريو المدعومة جزائرياً، تعود قضية الصحراء المغربية إلى واجهة النقاش الدولي، ليس لتأكيد ما هو قائم ومؤسس شرعياً وتاريخياً، بل لمحاولة تشويشه عبر مقولات مفخخة مثل "تقرير المصير" و"الاستقلال"، التي ترددها بعض أصوات الذئاب المنفردة من هنا وهناك، دونما إدراك عميق للتطورات الميدانية والتحولات السياسية الكبرى التي تعيشها المنطقة.

من بين أحدث هذه الحملات، ما نُشر على لسان رئيس البرلمان الكيني، موسى ماسيكا ويتانغولا، الذي أعرب ـ وفقاً لوكالة أنباء محسوبة على البوليساريو ـ عن دعمه لحق "الشعب الصحراوي" في تقرير المصير. وتبع ذلك نداء وجهه نفس المسؤول للاتحاد الإفريقي بدعم ما سماه بـ"سيادة الجمهورية الصحراوية الوهمية". لا شك أن هذه التصريحات تعكس اصطفافاً آيديولوجياً أكثر منه موقفاً سيادياً لكينيا، خاصة في ظل التناقض بين هذه التصريحات وبين ما أكدته الحكومة الكينية المنتخبة من دعم متجدد للوحدة الترابية للمغرب، ومساندة واضحة لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وموثوق.

ففي السياق القاري، من المهم الإشارة إلى أن الدول الكبرى الفاعلة في الاتحاد الإفريقي، على غرار السينغال، كوت ديفوار، الغابون، وغيرها، تبنت مواقف صريحة لصالح الطرح المغربي، معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل أفضل مخرج للنزاع المزمن. بل إن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 تمثل في حد ذاتها اعترافاً به كفاعل أساسي في القارة، وإقراراً بمسؤولياته في حفظ الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء.

وبينما توظف الجزائر واجهات مدنية وشبه دبلوماسية، مثل ما يسمى بـ"المرصد الوطني الجزائري للمجتمع المدني"، في التنسيق والدعاية المشتركة مع جبهة البوليساريو، كما حدث في اللقاء الذي جمع رئيسة المرصد ابتسام حملاوي بالسفير الصحراوي المزعوم، فإن هذا النوع من الأنشطة لا يعدو أن يكون إلا جزءاً من سياسة "الواجهة" التي تعتمدها الجزائر لتبرير تدخلها المباشر في نزاع لا يعنيها سيادياً بقدر ما تستخدمه ورقة ضغط إقليمية ضد المغرب وإلهاء للمشاكل الداخلية . لقد فشلت الجزائر، رغم مواردها الطاقية الهائلة، في بناء نموذج جيوسياسي جاذب، فاختارت الهروب إلى الأمام بتغذية نزاع انفصالي متهالك.

في المقابل، ووسط كل هذه الضوضاء السياسية، تواصل المملكة المغربية العمل على الأرض، بتنفيذ مشاريع استراتيجية ضخمة في أقاليمها الجنوبية. فمدينة العيون، التي لا تزال بعض التقارير الدعائية تصفها بـ"المحتلة"، تشهد على نقيض ذلك نمواً اقتصادياً وتكنولوجياً متسارعاً. آخر هذه المشاريع، ما أعلنته مجموعة YNNA الصناعية المغربية، بالتعاون مع شركة AMEA Power الإماراتية، لإنشاء محطة رياح بطاقة 100 ميغاواط في العيون. هذه المشاريع ليست فقط دليلاً على السيادة المغربية الواقعية، بل تكشف أيضاً عن الثقة الدولية في بيئة الاستثمار والتنمية بالصحراء المغربية.

أما على المستوى الأممي، فإن خطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 لا تزال تحظى بدعم واسع في مجلس الأمن ومن طرف دول وازنة مثل الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، وهولندا. وقد صرح أكثر من مسؤول أممي بأن هذه الخطة تشكل حلاً جدياً وواقعياً وذو مصداقية. وهو ما يتقاطع مع الخط السياسي الجديد لعدد من الدول الإفريقية والعربية التي قامت بسحب اعترافها بالكيان المزعوم، بل وافتتحت قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة.

في السياق نفسه، من اللافت للنظر أن تستمر أبواق البوليساريو في الترويج لفكرة "الاستفتاء"، متجاهلة أن الأمم المتحدة نفسها جمدت الحديث عنه منذ سنوات، بسبب استحالة تنفيذه من الناحية الواقعية، والتعقيدات المرتبطة بتحديد من له الحق في التصويت. لقد تجاوز النقاش الأممي هذه المرحلة، وأصبح يتمحور حول سبل إيجاد حل سياسي متوافق عليه، وهو ما جسدته مبادرة الحكم الذاتي المغربية.

وعندما تخرج بعض الأصوات مثل تلك الواردة من كينيا أو الجزائر لتكرار نفس الأسطوانة، فإن ذلك يعكس عزلة البوليساريو المتنامية، أكثر مما يعكس أي تحول حقيقي في الموقف الدولي. فالعالم يتجه نحو الاستقرار والواقعية، لا نحو إعادة فتح نزاعات أيديولوجية تعود إلى زمن الحرب الباردة.

أما الحديث عن "حق الشعوب في تقرير المصير"، فيبدو انتقائياً حين لا يُرفق بتحليل تاريخي وجغرافي وواقعي للسكان المحليين، الذين يعيشون اليوم في كنف المملكة المغربية ويتمتعون بمواطنة كاملة ومرافق تنموية متقدمة. فلماذا لا يُطرح "تقرير المصير" مثلاً على ساكنة منطقة القبائل في الجزائر أو الطوارق في الجنوب أو حتى سكان كشمير الذين كان اسمهم حاضراً بشكل عجيب في إحدى المقالات التي أدرجت في خضم الحديث عن البوليساريو؟

إن مثل هذه المقارنات المضللة لا تهدف إلى دعم حقوق الشعوب بقدر ما توظف لخلق حالة من الفوضى الإيديولوجية في مناطق معينة، وخاصة عندما تتجاهل التجارب التنموية الناجحة، مثل النموذج المغربي في الأقاليم الجنوبية.

في الختام، إن المغرب، بفضل سياسته المتوازنة ومبادرة الحكم الذاتي، قد استطاع أن يراكم دعماً دولياً متزايداً، ويقنع العديد من الدول بأن حل النزاع لا يكمن في الشعارات الفارغة ولا في التأجيج الإعلامي، بل في الرؤية الواقعية التي تضمن الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، وهو ما توفره الخطة المغربية في الصحراء بكل وضوح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق