لم يكن موقف الكاتب الجزائري – الفرنسي بوعلام صنصال مجرد رفض لترشيح أدبي عابر، بل كان حدثًا سياسياً بامتياز، يفضح حدود التداخل بين الثقافة والبرلمان الأوروبي من جهة، وصراع الأيديولوجيات داخل القارة من جهة أخرى. فالقضية لم تتعلق بجائزة "سخاروف لحرية الفكر" في ذاتها، وإنما بالطرف الذي قرر أن يضع اسم الكاتب في قائمة مرشحيه: جناح اليمين المتطرف بقيادة جوردان بارديلا.
إن إقدام اليمين المتطرف
الأوروبي على اقتراح اسم صنصال لم يكن بريئًا. فاليمين الشعبوي يبحث دائمًا عن أصوات
"رمزية" يمكنها أن تمنحه شرعية ثقافية وحقوقية في مواجهة خصومه السياسيين.
بترشيح كاتب معروف
بانتقاده للاستبداد، كان الهدف بناء صورة مفادها أن هذا التيار يدافع عن حرية الفكر
في مواجهة الأنظمة السلطوية بالخارج. لكن صنصال قطع الطريق على هذه المناورة، مذكّرًا
بأن معركة الحرية لا يمكن أن تُختزل في لعبة توازنات داخل البرلمان الأوروبي، ولا أن
تُستغل على حساب سمعته الشخصية واستقلاليته الفكرية.
ما يضاعف دلالات الموقف
أن الكاتب يقضي عمليًا سنواته الأخيرة وهو مهدد بالسجن في الجزائر، بعد أن حكمت عليه
محكمة بخمس سنوات سجنا نافذا بتهمة "المساس بالوحدة الوطنية". إن تصريحاته
حول الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي وضعت النظام الجزائري في حالة استنفار، لأنها
مست جوهر الأطروحة الرسمية حول "قدسية التراب الوطني". في هذا السياق، أي
محاولة من جهة أوروبية لتبني ملف صنصال تكتسب طابعًا سياسيًا حساسًا، قد يُفهم في الجزائر
كجزء من لعبة التدخل الخارجي، الأمر الذي يضاعف الضغط على الكاتب بدل أن يخففه.
جائزة سخاروف نفسها،
التي تحمل اسم أحد أبرز المنشقين السوفييت، تُعتبر أداة في يد السياسة الخارجية الأوروبية.
فهي تمنح شرعية وقيمة رمزية للمعارضين والناشطين في العالم. غير أن ترشيح صنصال عبر
اليمين المتطرف جاء ليخلق مفارقة حادة: كيف يمكن لتيار سياسي معروف بعدائه للمهاجرين
وللإسلام، أن يتبنى كاتبًا جزائريًا مسلمًا كرمز لحرية الفكر؟ هذا التناقض كشف أن اللعبة
كانت محض توظيف براغماتي، وأن المبدأ الحقوقي لم يكن سوى واجهة لرسائل سياسية داخلية.
من زاوية أوسع، يسلط
هذا الجدل الضوء على وضعية المثقف العربي في الفضاء الدولي. فبدل أن يُعامل كفاعل مستقل
يُساهم برؤيته النقدية، يتحول في كثير من الأحيان إلى ورقة في رهانات القوى الكبرى.
صنصال، برفضه، حاول استعادة زمام المبادرة، مؤكدًا أن الشرعية الأدبية والفكرية لا
تُستمد من أي جناح سياسي، بل من استقلال الموقف ووضوح الخطاب.
تكشف قضية بوعلام صنصال
عن مأزق مزدوج: من جهة، نظام جزائري يقمع الأصوات الحرة باسم "الوحدة الوطنية"،
ومن جهة أخرى، تيارات أوروبية متطرفة تحاول استغلال تلك الأصوات لصالح أجندتها السياسية.
وفي هذه المسافة الضيقة، يتجلى خيار الكاتب في أن يظل وفيًا لدوره كصوت حر، يرفض الاستبداد
الداخلي والتوظيف الخارجي معًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق