في خضم عتمة الطاقة التي تخيم على الجزائر نفسها، خرج علينا النظام الجزائري بإعلانٍ أقرب إلى نكتة كهربائية من نوع 220 فولط سياسي ساخر: «إيفاد خبراء وتقنيين من شركة "سونلغاز" إلى سوريا» لمساعدة هذا البلد المنهك في "تعزيز إنتاج الكهرباء وصيانة الشبكات"! يا لها من مفارقة تجعلك تتساءل: هل يمكن لمن يعيش في الظلام أن يوزّع الضوء على الآخرين؟
الجزائر، التي تشهد انقطاعات كهربائية متكررة صيفاً وشتاءً، وتعيش مناطقها الداخلية تحت رحمة الشموع ومولدات الديزل، تزعم الآن أنها مستعدة لتقديم «الدعم التقني» لسوريا، الدولة التي لم تخرج بعد من رماد الحرب! أليس الأجدر بالنظام الجزائري أن يرسل هؤلاء "الخبراء" إلى تمنراست أو ورغلة أو الشلف، حيث لا تزال المصابيح تنتظر الفجر لتضيء؟
من الواضح أن الأمر
لا علاقة له بالكهرباء ولا بسوريا، بل هو «محاولة أخرى من نظام تبون لتصدير الوهم الدبلوماسي
وتغليف الفشل الداخلي بشعارات العروبة والتضامن». فالجزائر الرسمية لم تتقن شيئاً مثلما
أتقنت «صناعة الصور الدعائية الفارغة»: مرة في مالي تحت شعار "الوساطة"،
وأخرى في النيجر كـ"حريصة على استقرار الساحل"، وها هي الآن تنوي إعادة إعمار
سوريا كهربائيًا وهي نفسها عاجزة عن "إعادة إنارة" حي شعبي في العاصمة الجزائر.
ثم لنقف قليلاً أمام
هذا المشهد العبثي: وزير الطاقة الجزائري يتصل بنظيره السوري ليقترح "خطة عمل"
في مجال الطاقة، بينما المواطن الجزائري يكدس المراوح والمبردات تحسباً لانقطاع التيار،
ويعيش "الرعب الكهربائي" كلما ارتفعت درجة الحرارة فوق الأربعين. فهل سوريا،
التي لم تتوقف عن تلقي الصواريخ، ستتوقف الآن لتستقبل مخطط "سونلغاز" المتطور؟
أما الحديث عن «تبادل
الفرق التقنية وبرامج التدريب»، فهو من صنف المسرحيات الرديئة التي يُفترض أن تنتهي
بتصفيق الجمهور، إلا أن الجمهور الجزائري لم يعد يصفق، بل يئن. فكلما رآهم يُعلنون
عن شراكات استراتيجية، تذكر أرغفة الخبز التي تتناقص، وصفوف الحليب التي تطول، ونشرات
الأحوال الجوية التي تعلن انقطاعات الكهرباء بدل درجات الحرارة.
ولأن المهزلة لا تكتمل
إلا بلمسة "جيواستراتيجية"، فقد شمل البلاغ حديثًا عن «توسيع التعاون ليشمل
الطاقات المتجددة». حقًا؟ هل تقصدون تلك الطاقات التي لم ترى النور في الجزائر إلا
على الورق؟ بلد الشمس والرياح لا يزال يستورد حتى المصابيح الموفرة للطاقة، ويزعم الآن
أنه سيساعد دمشق في "المحروقات والطاقة الخضراء"! لنكن صريحين: الجزائر،
في سياستها الخارجية، تشبه ذلك الرجل الذي يوزع بطاقات دعوة إلى قصر وهمي، بينما يسكن
كوخاً بلا سقف.
الخلاصة؟ إن هذا الإعلان
الجزائري هو تجلٍ جديد لـ»سياسة التظاهر بدل الإنجاز، وصناعة الصورة بدل بناء الحقيقة».
ومادامت النوايا لا تضيء المصابيح، فالأجدر بهم أن يحتفظوا بخبرائهم وتقنييهم، فربما
يحتاجونهم قريبًا لفك لغز انطفاء الحقيقة في بلاد تعبت من الخطاب المضيء والواقع المظلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق