في الوقت الذي يواصل فيه الإعلام التابع لجبهة البوليساريو ترويج سردياته المكرورة حول ما يسمى بـ"الأسْرى السياسيين الصحراويين"، تظهر المعطيات على الأرض لتكذب كل تلك الادعاءات، وتسلط الضوء على المجهودات الملموسة التي تبذلها المملكة المغربية في سبيل ترسيخ دولة القانون، ضمان حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة في أقاليمها الجنوبية.
الاجتماع الذي عُقد في "مخيمات تندوف" برئاسة إبراهيم غالي، والذي ادعى أنه تقييم لـ"خطة العمل الوطنية لدعم الحملة الدولية من أجل إطلاق سراح السجناء الصحراويين"، ليس سوى استعراض دعائي جديد يسعى لتكريس صورة الضحية المفتعلة. فالحديث عن وجود "سجناء سياسيين" ما هو إلا محاولة يائسة لإضفاء شرعية على أفراد ثبت تورطهم في أعمال تخريب، وتحريض، وارتباط بجماعات تمسّ بالأمن العام والسيادة الوطنية المغربية.
إن المغرب، باعتباره
دولة ذات مؤسسات دستورية وقضاء مستقل، لا يحتجز أحدًا بسبب آرائه السياسية. فالمعتقلون
الذين تتحدث عنهم جبهة البوليساريو هم أفراد خضعوا لمحاكمات عادلة بتهم جنائية مثبتة،
وفقًا للقانون المغربي وبمراقبة منظمات دولية معروفة. فهل بات التخريب والتواطؤ مع
خصوم الوطن وعلى رأسهم الجزائر عملاً نضاليًا يستحق "حملة دولية"؟
في حين تُواصل الجزائر
عبر واجهتها الدعائية "البوليساريو" الحديث عن القمع المزعوم، يواصل المغرب
ترسيخ نموذج تنموي واقعي في أقاليمه الجنوبية، يشهد له القاصي والداني. فمنذ إطلاق
النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2015، ضخّت المملكة ما يزيد عن 80 مليار
درهم في مشاريع البنية التحتية، الطاقة، الصحة، التعليم، والسياحة، مما حوّل مدن الصحراء
المغربية إلى مراكز اقتصادية واعدة على المستوى الإفريقي.
كما أن المملكة لا
تدخر جهدًا في دعم الحريات العامة، حيث تعمل اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في العيون
والداخلة على رصد وضعية الحقوق والحريات، وتقديم تقارير شفافة حظيت بإشادة المؤسسات
الدولية، ومنها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
رغم ما تدعيه الجبهة
عن امتداد حملتها في "مدن وقرى أوروبية"، فإن الواقع يشير إلى أن الاتحاد
الأوروبي، ومعظم العواصم الأوروبية الفاعلة، باتت تتبنى مواقف داعمة لمبادرة الحكم
الذاتي تحت السيادة المغربية. لقد عبرت دول مثل ألمانيا، إسبانيا، هولندا، والدانمارك
بل وحتى بعض دول الشمال الأوروبي، عن دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي
للنزاع المفتعل.
بل إن البرلمان الأوروبي
ذاته رفض محاولات جزائرية لتدويل النزاع، وأكد أن الحل يجب أن يكون تحت مظلة الأمم
المتحدة وبما يحفظ استقرار المنطقة ومصالح الشركاء، وعلى رأسهم المغرب، الحليف الرئيسي
في ملفات الأمن ومحاربة الإرهاب والهجرة والطاقة.
وبعيدًا عن مسرحيات
التضامن في تندوف، يجدر التساؤل: من هم السجناء الحقيقيون؟ أليسوا هم أولئك الصحراويين
القابعين في مخيمات تندوف، المحرومين من حقهم في التنقل، التعليم الحر، التعددية السياسية،
وحتى التعبير عن رفضهم للواقع؟ أليست جبهة البوليساريو هي الكيان الوحيد في المنطقة
الذي يمنع تأسيس الجمعيات المستقلة، ويحظر التعدد السياسي، ويستعين بمخابرات دولة أجنبية
لإدارة يومياته القمعية؟
المفارقة أن من يُسمّون
أنفسهم بـ"قادة التحرير" يعيشون حياة مترفة بين فنادق أوروبا ومؤتمرات أمريكا
اللاتينية، بينما يبقى آلاف الصحراويين رهائن في أرض غير أرضهم، ممنوعين من العودة
إلى وطنهم الأصلي، حيث تنتظرهم فرص التعليم، الصحة، وكرامة العيش.
في مقابل هذا، يستمر
المغرب في فتح الباب واسعًا أمام أبناء الصحراء للانخراط في المؤسسات الوطنية، من البرلمان
إلى المجالس الجهوية، ومن القوات المسلحة إلى الجامعة. أبناء الصحراء هم اليوم فاعلون
في السياسة، الثقافة، الاقتصاد، والدبلوماسية، ويؤكدون كل يوم أن مشروع الحكم الذاتي
ليس مجرد رؤية سياسية، بل واقع عملي يترسخ على الأرض.
أما من يسكنون في عالم
الشعارات، فيكتفون بإعادة إنتاج خطابات "الأسْر"، و"المعاناة"،
و"القضية العادلة"، وهي مفردات فقدت معناها بعد عقود من استغلال معاناة الأبرياء
لأهداف جيوسياسية جزائرية بحتة.
في النهاية، فإن المغرب
يواصل مسار البناء والانفتاح، متسلحًا بشرعية تاريخية، دعم دولي متنامٍ، ومشروع سياسي
واقعي هو الحكم الذاتي. أما البوليساريو، فستبقى عالقة في سرديات القرن الماضي، تعيد
إنتاج خطابها في غرف مغلقة تحت رعاية دولة راعية للنزاعات الإقليمية.
وبينما يشق المغرب
طريقه بثقة نحو المستقبل، تبقى قيادة الجبهة تروّج لأوهام الحصار والقمع، متناسية أن
الشعوب لا تُخدع إلى الأبد، وأن من لا يملك مشروعًا واقعيًا، لا يمكنه إلا أن يصفق
في اجتماعات شكلية لرئيس فقد بوصلته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق