الجمعة، سبتمبر 19، 2025

كيف تُسيطر إسرائيل على الهواتف في جيوبنا؟ عبده حقي


حين صرّح بنيامين نتنياهو بأن «كل الهواتف المحمولة في العالم تحمل تقنيات إسرائيلية»، بدا وكأنه لا يتحدث فقط عن واقع صناعي أو إنجاز تكنولوجي، بل عن رؤية سياسية أعمق تُحاول إعادة تعريف موقع إسرائيل في الخريطة العالمية.

فالتكنولوجيا في هذا السياق تتحول من مجرد أدوات وإبداعات تقنية إلى أداة قوة ناعمة ورمز للهيمنة في النظام الدولي الجديد.

منذ سنوات، تسعى إسرائيل إلى ترسيخ صورتها كـ"وادي سيليكون الشرق الأوسط"، حيث يشكل قطاع التكنولوجيا المتقدمة نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ويستحوذ على الجزء الأكبر من الاستثمارات الأجنبية.

إن الشركات الإسرائيلية الصغيرة والمتوسطة تتخصص في مجالات حيوية مثل الأمن السيبراني، تقنيات الكاميرات، الذكاء الاصطناعي، والتجهيزات الدقيقة، وهي مجالات حساسة تجعل مساهمتها في صناعة الهواتف الذكية أمراً وارداً. لكن تضخيم نتنياهو لهذه المساهمة إلى حد القول إن جميع الهواتف تعتمد عليها، يحمل بعداً خطابياً يتجاوز الحقيقة الاقتصادية.

إن هذا الخطاب يعكس محاولة إسرائيل تسويق نفسها كلاعب لا غنى عنه في الاقتصاد الرقمي العالمي، وبالتالي تعزيز مكانتها التفاوضية في الملفات السياسية والأمنية. فالذي يملك موقعاً محورياً في سلاسل التوريد التكنولوجية يمتلك قدرة على التأثير في القرار الدولي. هنا تتحول الرقاقة الإلكترونية أو الكاميرا الصغيرة إلى ورقة ضغط دبلوماسية، تشبه في رمزيتها أهمية النفط أو الغاز في القرن العشرين.

غير أن هذا الادعاء يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق: هل نحن أمام إعادة إنتاج لفكرة "التحكم عبر المعرفة"؟ بمعنى أن امتلاك إسرائيل لتقنيات حساسة داخل الأجهزة التي يستخدمها مليارات البشر قد يُترجم إلى أدوات مراقبة أو نفوذ غير مباشر. هذه الفرضية تكتسب زخماً في ظل تاريخ طويل من الجدل حول برامج التجسس الإسرائيلية مثل "بيغاسوس"، التي كشفت قدرة تل أبيب على تحويل التكنولوجيا إلى أداة سياسية وأمنية.

إضافة إلى ذلك، يأتي هذا الخطاب في لحظة جيوسياسية مشحونة بالصراع على قيادة الثورة الرقمية العالمية. الولايات المتحدة والصين تتسابقان على التفوق في صناعة الرقائق والذكاء الاصطناعي، بينما تحاول قوى أخرى – مثل الاتحاد الأوروبي والهند – إيجاد موقع لها. وسط هذه المعادلة، تحاول إسرائيل أن تقدم نفسها كفاعل لا يمكن تجاوزه، مستغلة شبكة تحالفاتها الاستراتيجية مع واشنطن، واندماجها التدريجي في بعض أسواق آسيا وأفريقيا.

بيد أن هذا الطموح يواجه حدوداً واضحة. فصناعة الهواتف الذكية تخضع لبنية إنتاجية معقدة وموزعة على عشرات الدول، من مصانع الشرائح في تايوان وكوريا الجنوبية، إلى برمجيات أميركية، وتجميع صيني أو فيتنامي. ما يعني أن حضور إسرائيل مهما كان مؤثراً، يظل جزءاً من منظومة أكبر. وبالتالي، فإن خطاب نتنياهو ليس سوى محاولة سياسية لتضخيم النفوذ وإقناع الداخل والخارج بقدرة إسرائيل على الإمساك بخيوط اللعبة التكنولوجية.

في المحصلة، يظهر تصريح نتنياهو كمثال على توظيف الخطاب التكنولوجي في خدمة السياسة. إنه يوجّه رسالة مزدوجة: للداخل الإسرائيلي بأن دولتهم ما تزال متفوقة ومؤثرة رغم أزماتها السياسية، وللعالم بأن تجاهل إسرائيل في أي معادلة اقتصادية أو أمنية بات مستحيلاً. لكن خلف هذه الرسائل تبقى الحقيقة أن التكنولوجيا لم تعد مجرد إنجاز علمي، بل صارت جزءاً من معادلات القوة والصراع، وأداة جديدة في لعبة النفوذ العالمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق