في خطوة أثارت كثيراً من علامات الاستفهام، خرج السفير التركي بالجزائر، محمد مجاهيت كوجوك يلماز، بتصريح غير مسبوق مفاده أن ما بين 5 إلى 20 في المائة من الجزائريين يعود أصلهم إلى "الكراوغلي"، أي أحفاد الجنود والموظفين العثمانيين الذين استوطنوا الجزائر خلال الحقبة العثمانية.
قد يبدو الأمر في ظاهره ملاحظة تاريخية، لكنه في جوهره محاولة تركية مكشوفة لإعادة تشكيل وعي الجزائريين بهويتهم وربطها بأنقرة، في سياق دبلوماسية ناعمة تتجاوز حدود العلاقات الاقتصادية والثقافية لتلامس جوهر السيادة الوطنية.
أن يذكر السفير أسماء
عائلات جزائرية بأصول تركية، ويؤكد أن بعض الكلمات اليومية وحتى المسلسلات التركية
تعكس هذا الارتباط، فهذا ليس مجرد خطاب ودي. إنه استغلال للتاريخ وتطويعه لخدمة مشروع
سياسي توسعي تحاول تركيا تمريره في شمال إفريقيا، تماماً كما تفعل في الشرق الأوسط
عبر استدعاء "الخلافة العثمانية" كأداة للنفوذ.
الجزائر بنت هويتها
الوطنية على أساس مقاومة الاستعمار الفرنسي وتشبثها بثنائية العروبة والأمازيغية. أي
محاولة لإضافة "هوية تركية" ضمن هذا الإطار لا يمكن أن تُقرأ إلا كتحدٍ مباشر
لذاكرة الشعب الجزائري الذي دفع ثمن الاستقلال غالياً. فـ الهوية ليست سلعة دبلوماسية،
ولا يمكن لتركيا أن تستعملها كجسر سياسي لتوسيع نفوذها.
بدلاً من تعزيز العلاقات
الثنائية على أسس اقتصادية وسياسية متينة، اختارت أنقرة أن تلعب بورقة حساسة تهدد الاستقرار
الرمزي للجزائريين. مثل هذه التصريحات قد تُستقبل في الشارع الجزائري كنوع من الوصاية
أو التذكير الضمني بأن الجزائر ما زالت تحت "ظل" النفوذ العثماني. وهذا ما
يجعلها أقرب إلى التدخل السافر في الشأن الداخلي منه إلى تعبير عن عمق العلاقات
صحيح أن تركيا تُعتبر
اليوم من أبرز المستثمرين في الجزائر، لكن السؤال هو: هل الهدف تعزيز شراكة متوازنة،
أم زرع إحساس خفي بأن للجزائريين "جذوراً تركية" تجعلهم في موقع التابع ثقافياً؟
إن الخطورة هنا تكمن في تحويل التعاون الاقتصادي إلى حصان طروادة سياسي يضرب في صميم
الهوية والسيادة الوطنية
مثل هذا الخطاب لا
يجب أن يُترك يمر مرور الكرام. المطلوب من النخب السياسية والثقافية الجزائرية أن تضع
حداً لهذه النزعة التركية التي تسعى إلى إحياء "السلطنة" بطرق ناعمة وخبيثة.
فالجزائر ليست ساحة مفتوحة للتجارب التاريخية، ولا مجال لأن تصبح "ولاية جديدة"
في أحلام أردوغانية عابرة للحدود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق