بعد ست سنوات من صعود قيس سعيّد إلى الحكم، تقف تونس على مفترق طرق عسير: من وعود اجتماعية كبرى لم تتحقق، إلى اقتصاد يترنّح تحت ثقل الدين والتضخم، ومشهد سياسي يميل إلى الانغلاق أكثر منه إلى التعددية. في المقابل، يُظهر مسار دول الجوار ـ المغرب والجزائر خصوصًا ـ صورًا متباينة تكشف عن أوجه تشابه وأخرى اختلاف، ما يجعل التجربة التونسية جزءًا من سياق مغاربي أوسع يعاني بدوره من أزمات الشرعية والحوكمة والتنمية.
لقد وعد الرئيس التونسي
بإنهاء عقود العمل الهشّ وإدماج الأساتذة العرضيين وتحقيق عدالة اجتماعية أوسع. لكن
الأرقام تكشف إخفاقًا واضح للعميان: نمو اقتصادي بالكاد يتجاوز 2.5%، تضخم يقترب من
9%، ودين عام يبتلع أكثر من 90% من الناتج الداخلي.
سياسيًا، انكمش الفضاء
الديمقراطي إلى حدود ضيّقة، مع برلمان ضعيف ومشاركة انتخابية هزيلة لم تتجاوز 11% في
2023. أما على المستوى الإقليمي، فقد انسحبت تونس تدريجيًا من دوائر الفعل الاستراتيجي،
مكتفية بخطاب سيادي يفتقد إلى قوة اقتصادية تسنده.
في الجهة الغربية،
سلك المغرب طريقًا مختلفًا. فعلى الرغم من احتجاجات اجتماعية متكررة، تمكّن من الحفاظ
على استقرار سياسي مؤسساتي بفضل إصلاحات دستورية منذ 2011، وتوازن دقيق بين السلطة
الملكية والحكومات المنتخبة.
أما اقتصاديًا، فقد
حقق المغرب نسب نمو متذبذبة لكنه أدار أزماته عبر مشاريع كبرى في الطاقات المتجددة،
البنية التحتية، والدبلوماسية الاقتصادية، ما جعله حاضرًا بقوة في إفريقيا وأوروبا.
ورغم تحديات البطالة والفوارق الاجتماعية، استطاع الحفاظ على صورة دولة قادرة على التكيف
مع الأزمات العالمية.
أما الجزائر، فقد عرفت
منذ حراك 2019 مسارًا مغايرًا. الحراك الشعبي، الذي طالب بدولة مدنية وديمقراطية، تراجع
تحت ضغط القمع والانهاك، بينما استمرت السلطة في الاعتماد على الريع النفطي والغازي
لشراء السلم الاجتماعي. ورغم بعض المبادرات لتقليل التبعية للمحروقات، بقي الاقتصاد
رهينة لتقلبات الأسواق العالمية. سياسيًا، أُعيد إنتاج النخب نفسها، مع إغلاق المجال
العام واعتقالات واسعة للصحفيين والمعارضين، ما جعل البلاد تبدو وكأنها تعيش ثورة معلّقة
بدورها.
لقد رفعت تونس شعار
الثورة الاجتماعية والسياسية، لكنها ظلت بلا أدوات اقتصادية ولا مؤسسات قوية تنفّذ.
المغرب اعتمد استراتيجية
الإصلاح التدريجي وربط شرعيته بالإنجازات التنموية والانفتاح الخارجي، رغم استمرار
الفوارق.
والجزائر
تمسكت بسلطة ريعية تعيش على وفرة مؤقتة، لكنها تواجه خطر الانفجار متى اهتزّت أسعار
النفط والغاز.
من هذه الزاوية، يظهر
مأزق تونس ليس مجرد أزمة داخلية، بل حلقة في معادلة مغاربية أكبر تبحث عن صيغة تجمع
بين الشرعية السياسية، العدالة الاجتماعية، والدينامية الاقتصادية. فبين ثورة بلا أدوات،
وإصلاحات محسوبة، وريعية مهددة، تظل المنطقة بأسرها في حاجة إلى مشروع سياسي جديد يتجاوز
منطق الشعارات نحو بناء مؤسسات قوية ورؤية اقتصادية قادرة على الصمود في عالم متحوّل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق