الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مايو 03، 2024

في اليوم العالمي لحرية الصحافة ، فقدان البوصلة ؟عبده حقي


يحتفل العالم اليوم الجمعة 3 مايو 2024 باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يشكل يوما عالميا للاعتراف بالدور الأساسي والريادي للصحفيين في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ونشر التوعية الإعلامية . غير أن هذا العام، يحمل الاحتفال خصوصية أكبر حيث المشهد بات يبدو محفوفا بالمخاطر، بدءًا من تعاظم الاستخدام التكنولوجي وتصاعد الصراعات العالمية والإقليمية ، مما يجعل دور حرية الصحافة بوصلة تشتد الحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى .

لقد عمل الصحفيون دائمًا تحت درجات مختلفة من ضغوط المخاطر. ومع ذلك، فإن الأوضاع الحالية تمثل مجموعة من التحديات التي تهدد كيان الصحافة الحرة في جميع أنحاء المعمورة.

ومما لاشك فيه أن العصر التكنولوجي والرقمي والذكاء الاصطناعي قد أحدث ثورة في قنوات نشر المعلومات. وبينما تقدم هذه الإمكانيات أدوات جديدة للصحفيين، فإنها من جانب آخر قد أسهمت في تفاقم نشر المعلومات المضللة و"الأخبار المزيفة". إذ أصبحت منصات وسائل التواصل الاجتماعي ساحات معركة للأخبار المتنافسة، وحيث تكافح الصحافة المهنية الرصينة للتنافس مع انتشار المحتوى المثير. بالإضافة إلى ذلك، يثير ظهور الأتمتة والذكاء الاصطناعي مخاوف بشأن إزاحة بعض الوظائف الإعلامية ، فقد بات من المحتمل أن تحل الخوارزميات محل بعض جوانب جمع الأخبار وتحليلها وحتى تحريرها.

لقد أصبحت معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم، سواء كانت ديمقراطية أو استبدادية، احترافية بشكل متزايد في التلاعب بالمعلومات والسيطرة على المشهد الصحافي برمته . ويمكن أن يتخذ ذلك صورا مختلفة، بما في ذلك الرقابة ومضايقة الصحفيين. في بعض الحالات، تستخدم الحكومات بشكل حماسي الحملات الإخبارية المزيفة لتشويه سمعة التقارير الصحفية المستقلة وزرع وضع الشك واللايقين بين المجتمع.

إن الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات يواجهون يوميا بل في كل دقيقة تهديدًات مستمرًة بالعنف والاختطاف وحتى الموت. إن جريمة القتل المروعة التي ذهبت ضحيتها الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعقلة والصحفي المالطي دافني كاروانا غاليزيا وغيرهما هي بمثابة تذكير صارخ بالمخاطر التي يتعرض لها الصحفيون وهم منهمكون في مساعيهم وراء الحقيقة. وهذا "التأثير المخيف" لا يشجع الآخرين على التحقيق في مواضيع حساسة سياسية واقتصادية ، مما يعيق جدية التقارير المستقلة.

وقد سلطت الحربين في أوكرانيا وغزة الضوء على الوضع غير المستقر لمهنة الصحافة وسط جحيم النزاعات المسلحة. وأصبحت الموازنة بين التقارير الموضوعية والسلامة الشخصية بمثابة صراع يومي مستمر. بالإضافة إلى ذلك، فإن حرب المعلومات التي تشن جنبًا إلى جنب مع هذه الصراعات المادية تزيد من تعقيد المشهد الصحفي، مما يجعل من الصعب تمييز الحقيقة من الدعاية الملفقة.

كما أدى تراجع المبادئ الديمقراطية في بعض البلدان إلى تقليص هامش حرية الصحافة. وأصبح الصحفيون أسهل هدف للاضطهاد السياسي، حيث يُنظر إلى حقيقة التقارير على أنها تهديد للسلطات الحاكمة. وهذا التآكل في حرية الصحافة لا يؤدي إلى إسكات الصحافة المعارضة فحسب، بل يترك المواطنين أيضًا يغرقون في التعتيم الإعلامي .

قد تبدو هذه التهديدات مترابطة فيما بينها ، مما يخلق شبكة معقدة من التحديات للصحفيين الأحرار. إن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تفاقم وسائل التضييقية المتزايدة في العديد من البلدان، يجعل دينامية الصحافة المستقلة وذات المصداقية أكثر صعوبة من أي وقت مضى وبالتالي سيظل مستقبل الصحافة يكتنفه الغموض ويهدده التقدم التكنولوجي بمزيد من المتاريس، في حين يؤدي صعود الاستبداد إلى تقليص مساحة التقارير المستقلة.

من جانب آخر من المرجح أن يؤدي ظهور الأتمتة إلى تحول في أدوار غرفة الأخبار، حيث يركز الصحفيون بشكل أكبر على التحليل عالي المستوى والتقارير الاستقصائية.

إن اليوم العالمي لحرية الصحافة ليس مجرد احتفال خالص فقط ؛ بل إنه تذكير بأن حماية الصحافة تتعلق بحماية الديمقراطية والمساءلة وأساس المجتمع الحر والمستنير. وبينما يتنقل العالم عبر تعقيدات القرن الحادي والعشرين، يظل دور الصحافة الحرة بالغ الأهمية. ومن خلال الابتكار المستمر والتعاون والالتزام الثابت بالحقيقة، يمكن للصحافة أن تتغلب على العواصف وتستمر في لعب دورها الحيوي في تشكيل عالم أكثر عدلاً وإنصافًا.

0 التعليقات: