الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، نوفمبر 20، 2024

حروب الظل الإلكترونية: المغرب يحبط 644 هجوما إلكترونيا في عام 2024 : عبده حقي


لقد أصبحت ساحة المعركة في القرن الحادي والعشرين في الفضاء الإلكتروني بقدر ما هي في العالم المادي. لقد أصبح المغرب، وهو مركز إقليمي صاعد للنمو الاقتصادي والابتكار الرقمي، هدفًا رئيسيًا للتهديدات السيبرانية. ففي عام 2024 وحده، واجهت المملكة 644 هجومًا إلكترونيًا مذهلاً، كما كشف عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني المغربي، خلال عرضه أمام البرلمان. إن هذا الرقم المثير للقلق يسلط الضوء على الأهمية الحاسمة للأمن السيبراني كأولوية للأمن الوطني.

إن الهجومات الإلكترونية الذي يتعرض لها المغرب ليس مجرد إحصائية؛ بل إنها تعكس اتجاهاً أوسع نطاقاً لتصاعد التهديدات في عالم مترابط ومتشابك رقمياً. ولمواجهة هذه التهديدات، حشدت المديرية العامة لأمن أنظمة المعلومات في المغرب موارد واسعة النطاق ونفذت كذلك تدابير استباقية ناجحة..

حتى عام 2024، سجل المغرب 644 هجومًا إلكترونيًا استهدفت قطاعات مختلفة، بدءًا من البنية التحتية الحيوية وحتى المنصات الحكومية. ومن بين هذه الهجمات، تطلبت 134 هجومًا تدخلًا مباشرًا من قبل مركز مراقبة الهجمات الإلكترونية والمراقبة والاستجابة لها في المغرب . إن الوحدة المتخصصة كخط دفاع أمامي للبلاد تعمل ضد التهديدات الإلكترونية، وتعمل بنشاط على تحييد الهجمات التي قد تعرض الأمن الوطني للخطر أو تعطل الخدمات الأساسية.

لقد أفادت المديرية العامة للأمن الداخلي، المكلفة بحماية البنية التحتية الرقمية في المغرب، أنها أصدرت 1050 إشعارًا بهجوم إلكتروني و575 نشرة أمنية. إن هذه الإشعارات والتحذيرات تعمل كإطار أساسي للمؤسسات للتكيف وتعزيز دفاعاتها ضد التهديدات المتطورة. علاوة على ذلك، تم اتخاذ 25 إجراءً تفاعليًا في مراكز عمليات الأمن عبر سبع مناطق رئيسية، مما يؤكد الطبيعة الوطنية لاستراتيجية الدفاع السيبراني.

تظل البنية التحتية الحيوية في المغرب، والتي تشمل الطاقة والنقل والأنظمة المالية والخدمات العامة، هدفًا رئيسيًا للجهات الخبيثة. وإدراكًا منها للمخاطر العالية، قامت المديرية العامة للأمن العام بتقييم وتعزيز 64 منصة إلكترونية ومتنقلة حيوية لتعزيز المرونة. إن هذه المنصات ليست مجرد أصول تكنولوجية؛ بل هي شريان الحياة للحكم الحديث والنشاط الاقتصادي. يمكن أن يؤدي خرق واحد إلى آثار متتالية، مما يؤدي إلى تعطيل الحياة اليومية وتقويض الثقة في مؤسسات الدولة.

وفي إطار تسليط الضوء على تعقيد هذه الهجمات، حددت المديرية العامة للأمن العام 16 ثغرة أمنية مهمة تستدعي التنبيه الفوري. وكثيراً ما يستغل المتسللون هذه الثغرات الأمنية للوصول غير المصرح به، أو سرقة البيانات، أو تعطيل العمليات. ومن الضروري التعامل معها بسرعة للحفاظ على استمرارية العمليات وحماية المعلومات الحساسة.

وبعيدًا عن التدابير التفاعلية، استثمر المغرب بشكل كبير في الاستراتيجيات الاستباقية لتعزيز إطار الأمن السيبراني. ويجسد تمرين التدريب السيبراني 2024 الذي أجرته المديرية العامة للأمن الداخلي هذه الجهود. وتضمنت هذه المبادرة عمليات محاكاة مصممة لإعداد فرق المراقبة لسيناريوهات العالم الحقيقي، وتمكينها من تحديد التهديدات السيبرانية والاستجابة لها وتحييدها بشكل فعال. وبمشاركة 73 فريقًا من المؤسسات والبنية الأساسية الحيوية، أظهر التمرين التزام المغرب بتنمية قوة عاملة ماهرة في مجال الأمن السيبراني.

واستكمالاً لهذا التدريب، أطلقت المديرية العامة للأمن السيبراني مسابقة Cyber ​​Challenge لتعزيز الابتكار في حلول الأمن السيبراني. وهذه المبادرة ليست مجرد مسابقة؛ بل هي دعوة للعمل لألمع العقول المغربية للمساهمة في الدفاع عن الوطن. ومن خلال تحفيز الإبداع والتعاون، يهدف التحدي  السيبراني  إلى تطوير أدوات واستراتيجيات متطورة للبقاء في صدارة الخصوم.

وتتجاوز جهود الأمن السيبراني في المغرب حدودها حيث شاركت المديرية العامة للأمن السيبراني بنشاط في التدريبات التعاونية مع الشركاء الدوليين، مدركة أن التهديدات السيبرانية غالبًا ما تتجاوز الحدود الوطنية. وفي هذا السياق، جمع المنتدى الخامس للأمن السيبراني الذي عقد في المغرب ما يقرب من 500 من صناع القرار والخبراء والمهنيين من أفريقيا والعالم العربي. وكان هذا التجمع بمثابة منصة لتبادل المعرفة وبناء القدرات وتعزيز الشراكات لمكافحة التحديات المشتركة.

ويؤكد المنتدى أيضًا على دور المغرب كقائد إقليمي في مجال الأمن السيبراني. ومن خلال وضع نفسه كمركز للتعاون والابتكار، لا تعمل البلاد على تعزيز دفاعاتها فحسب، بل تساهم أيضًا في الأمن الجماعي لجيرانها. ويتماشى هذا المنهج مع الاتجاهات العالمية، حيث يُنظر إلى الأمن السيبراني بشكل متزايد باعتباره مجالًا يتطلب التعاون المتعدد الأطراف.

ورغم التقدم الكبير الذي أحرزه المغرب، تواجه استراتيجية الأمن السيبراني العديد من التحديات. فالطبيعة السريعة التطور للتهديدات السيبرانية تتطلب التكيف والاستثمار المستمر. ويستغل المتسللون التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، مما يجعل الهجمات أكثر تعقيدًا وأصعب اكتشافًا. وهذا يستلزم تطورًا موازيًا في التدابير الدفاعية، من تعزيز استخبارات التهديد إلى نشر حلول أمنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

وعلاوة على ذلك، يظل العامل البشري يشكل نقطة ضعف بالغة الأهمية. إذ تستغل العديد من الهجمات الإلكترونية تكتيكات الهندسة الاجتماعية لتجاوز الدفاعات التقنية. ويتطلب التصدي لهذه المشكلة بذل جهود متواصلة في حملات التوعية وبرامج التدريب للأفراد على كافة المستويات، من المسؤولين الحكوميين إلى موظفي القطاع الخاص.

وأخيرا، ومع استمرار المغرب في التحول الرقمي، فإن توسع بصمته الرقمية يزيد من تعرضه للمخاطر السيبرانية. وسوف يشكل تحقيق التوازن بين فوائد التقدم التكنولوجي وضرورات الأمن تحديا حاسما لصناع السياسات في السنوات القادمة.

إن الهجمات السيبرانية الـ 644 التي تم تسجيلها في عام 2024 تشكل تذكيرًا صارخًا بالتهديدات الرقمية التي تواجه المغرب. ومع ذلك، فإن استجابة البلاد، بقيادة المديرية العامة للأمن الداخلي، توضح استراتيجية قوية ومتطورة للأمن السيبراني. من تعزيز البنية التحتية الحيوية إلى تعزيز التعاون الإقليمي، يتخذ المغرب خطوات حاسمة للدفاع عن سيادته الرقمية.

ومع استمرار تطور المشهد الرقمي، فإن المخاطر سوف تزداد. وسوف يتطلب حماية مستقبل المغرب الرقمي استثمارات مستدامة وحلولاً مبتكرة وثقافة اليقظة. وفي هذه الساحة عالية المخاطر، فإن المرونة ليست مجرد طموح - بل هي ضرورة حتمية. ويشكل مثال المغرب دراسة حالة حول كيفية تمكن الدول من التعامل مع تعقيدات الأمن السيبراني في عالم مترابط.

0 التعليقات: