الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، أغسطس 13، 2025

فضائح المحاباة والولاءات تهز السفارات الجزائرية: عبده حقي


من المفترض أن تكون الدبلوماسية واجهة مشرقة لأي دولة، تعكس صورتها الحضارية وتدافع عن مصالحها الاستراتيجية في الخارج. فالسفارات والقنصليات هي المحطة الأولى التي يقصدها أي شخص يسعى لمعرفة بلد ما أو التواصل مع سلطاته، وهي تمثل نقطة الالتقاء الأولى بين الشعوب، والميدان الذي تُدار فيه علاقات الدول عبر السفراء والقناصل الذين يُفترض أن يكونوا حماة سمعة بلادهم وسفراء قيمها. لكن ما تكشفه التحقيقات الأخيرة حول كواليس الدبلوماسية الجزائرية يُظهر مشهداً مغايراً تماماً، أقرب إلى فضاءٍ تتحكم فيه المصالح الشخصية والفساد الإداري على حساب المصلحة الوطنية.

أخطر ما كشفته التحقيقات كان في سفارة الجزائر بروما، حيث يعيش السفير محمد خليفي وضعاً بالغ الحرج، بعد أن تحوّلت البعثة الدبلوماسية إلى أداة لخدمة أبناء الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقرمان، الذين نُقلوا من باريس إلى العاصمة الإيطالية على نفقة السفارة، خوفاً من تبعات الأزمة المتصاعدة مع فرنسا. تم توفير سيارة دبلوماسية، وإقامات مدفوعة، وحتى تسهيلات للحصول على وظائف بمؤسسات دولية، في تجاوز صارخ للقوانين والأعراف.

لم تتوقف التجاوزات عند هذا الحد، إذ كشفت المعلومات عن تمويل إقامة نجل جنرال بارز في جهاز الأمن الرئاسي الجزائري خلال عطلته بروما، بميزانية السفارة، وكأن المال العام صندوق شخصي يُصرف على نزوات أبناء المسؤولين الكبار.

وفي مشهد آخر لا يقل عبثية، تم تعيين دبلوماسي وزوجته – التي كانت تعمل مساعدة للأمين العام – في روما، فقط لتسهيل رحلاتهما العلاجية المتكررة إلى باريس، قبل أن يطالبا بانتقال رسمي للعمل في سفارة الجزائر بفرنسا. لكن السلطات الفرنسية رفضت منحهما الاعتماد بعد اكتشاف أن الزوج يحتفظ بإقامة قانونية في فرنسا، ما أثار شبهة تضارب الولاء والمصالح.

هذه الفضائح ترافقت مع حالة تمرّد صامت بين عدد من السفراء السابقين وكبار موظفي الخارجية ضد الوزير أحمد عطاف، متهمين إياه بالعجز عن إدارة الملفات الكبرى، وبالسماح باستفحال المحسوبية. أسماء وازنة في السلك الدبلوماسي، مثل عمار بني وعبد الكريم طوريا، دخلت على خط الانتقادات، في مؤشر على أزمة ثقة غير مسبوقة داخل الجهاز الدبلوماسي الجزائري.

أما الطرافة الممزوجة بالمرارة، فتتمثل في مسار السفير سعيد موسي، الذي عمل في مدريد وباريس ولشبونة، حيث اعترفت الدول الثلاث – خلال فترات عمله – بمغربية الصحراء ودعمت مبادرة الحكم الذاتي المغربية. الأمر دفع بعض الأصوات داخل الوزارة إلى التساؤل إن كان ذلك محض صدفة أم نتيجة ارتباطات مشبوهة.

ما يجري داخل أروقة الدبلوماسية الجزائرية، كما تكشفه هذه الوقائع، ليس سوى انعكاس لثقافة فساد متجذّرة، حيث تُستخدم ميزانيات السفارات لتمويل إقامات فاخرة، وتوظيفات مخصّصة لأبناء المسؤولين، ومحاباة لا حدود لها. في ظل هذا الانحدار، تتآكل صورة الجزائر على الساحة الدولية، بينما يزداد الإحباط داخل صفوف دبلوماسييها الشرفاء. والمفارقة أن كل هذا يجري تحت نظر رئاسة عاجزة أو متغافلة، تاركة وزارة الخارجية فريسة للمحسوبية والولاءات الضيقة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى دبلوماسية محترفة تحمي مصالحها لا أن تهدرها.

0 التعليقات: