يشهد الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، سباقاً محموماً نحو صدارة المشهد العالمي في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، في تجلٍ واضح لتحولات استراتيجية عميقة ترسم ملامح المستقبل التكنولوجي للمنطقة.
في سياق احتفائها باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات، أكدت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية التزامها بتحقيق المساواة بين الجنسين في القطاع التقني، وذلك تحت شعار هذا العام: "المساواة بين الجنسين في المجال الرقمي". هذا الاحتفال لم يكن شكليًا، بل جاء تتويجًا لمسار طويل من الإنجازات النوعية، أبرزها ما حققته المملكة في الاقتصاد الرقمي، وتقدمها اللافت في مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي، فضلًا عن الجهود المكثفة في تأهيل الكوادر الوطنية لتكون حجر الزاوية في هذا التحول.
المملكة لم تكتف بتطوير
البنية التحتية الرقمية، بل أطلقت في 18 مايو 2025 النسخة الرابعة من "جائزة الحكومة
الرقمية"، التي تُشرف عليها هيئة الحكومة الرقمية. وتهدف الجائزة إلى تعزيز ثقافة
الابتكار في القطاع الحكومي، وتحفيز المؤسسات على تقديم حلول ذكية تعزز كفاءة الأداء
وجودة الخدمات، في انسجام تام مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
من جهتها، تواصل دولة
الإمارات مسيرتها الطموحة في بناء اقتصاد معرفي مستدام، حيث أعلنت عن إطلاق «المرحلة
الأولى من مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي» في العاصمة أبوظبي، في حدث وصفه
المراقبون بأنه نقطة تحول في العلاقة بين الابتكار المحلي والتعاون الدولي. هذا المجمع
لا يقتصر دوره على البحوث التطبيقية، بل يمثل منصة حيوية لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي
في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والأمن السيبراني، ويجسد نموذجًا متقدمًا للتكامل
بين الكفاءات البشرية والتقنيات المتقدمة.
وفي خطوة تؤكد المكانة
المتنامية لأبوظبي كمركز تكنولوجي عالمي، أعلنت شركة «كوالكوم تكنولوجيز (Qualcomm
Technologies)» في 18
مايو 2025 عن اختيار العاصمة الإماراتية مقرًا لمركز عالمي جديد لتطوير تقنيات المستقبل.
هذا المركز سيتخصص في مجالات مثل الاتصال فائق السرعة، والأنظمة المدمجة، والذكاء الاصطناعي
الصناعي، وسيعزز موقع أبوظبي في شبكة الابتكار الدولية، ويخلق فرصًا استثنائية لنقل
المعرفة وبناء القدرات المحلية.
إن ما تشهده دول الخليج
من تطورات متسارعة في مجالات الذكاء الاصطناعي ليس مجرّد سباق تقني، بل هو جزء من «رؤية
أوسع لتغيير النموذج الاقتصادي والاجتماعي»، وتأسيس بنية تحتية رقمية شاملة تدعم التحول
الذكي في الخدمات والإنتاج والمعرفة. وبينما تسعى السعودية إلى ريادة رقمية شاملة عبر
حوكمة ذكية وتمكين رقمي للمواطن، تبني الإمارات نماذج تكاملية بين القطاعين العام والخاص،
وتحفز الاستثمارات الأجنبية في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
في النهاية، يبدو أن
الخليج لا يكتفي بمواكبة الثورة الرقمية، بل يسعى إلى «قيادتها بأسس راسخة واستراتيجيات
واعية». وهذه المبادرات المتوالية في السعودية والإمارات، ليست سوى ملامح من مشهد مستقبلي
يحمل عنوانًا واحدًا: *الذكاء الاصطناعي لغة التنمية القادمة*.
0 التعليقات:
إرسال تعليق