الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مايو 18، 2025

مغالطات "التمثيل الصحراوي" في مؤتمر "بريشتينا" الفاقد للشرعية: عبده حقي


تم الترويج في بعض المنابر الدعائية المرتبطة بجبهة البوليساريو أن وفدًا "صحراويًا" شارك مؤخرًا في مؤتمر «المنظمة الدولية للشباب الاشتراكي» المنعقد في العاصمة الكوسوفية بريشتينا، وقد حمل هذا الوفد – حسب مزاعمهم – توصيات تتعلق بما سُمي "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي" و"مقاومته" المزعومة. لكن خلف هذه العناوين المضللة، تختبئ حملة ممنهجة لتضخيم الحضور الرمزي لكيان غير معترف به، لا من طرف الأمم المتحدة ولا من طرف غالبية دول العالم، بما فيها الدول المنظمة أو المشاركة نفسها.

من الثابت دوليًا أن «الجمهورية الصحراوية المزعومة» لا تحظى بأي اعتراف من الاتحاد الأوروبي، ولا من غالبية دول الأمم المتحدة، بل وحتى داخل الاتحاد الإفريقي – الذي كانت الجبهة تتبجح بعضويته – فقد بدأ التراجع عن دعم هذه الكيانات المصطنعة بعد أن تبيّن الطابع الانفصالي وغير الواقعي لمشروع البوليساريو. إن الاتحاد الأوروبي، وهو حاضر في المؤتمر وفق الخبر نفسه، سبق وأعلن عبر متحدثه الرسمي في 2023 و2024 أن لا اعتراف له بهذا الكيان، ما يجعل مجرد "حضور" أفراد ينتمون إلى الجبهة أو مؤسساتها الطلابية أمرًا لا يعدو كونه دعوة منظمات شبابية دون وزن قانوني.

الحديث عن "وفد صحراوي" في مؤتمر دولي يتضمن مغالطة كبرى، لأن الصحراء المغربية جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، ويمثل شبابها، نساؤها، ومجتمعها المدني وفودًا حقيقية في المؤتمرات الدولية تحت العلم المغربي، لا تحت راية الانفصال. أما ما يسمى "وفد البوليساريو" فهو في الواقع مجموعة من النشطاء المحسوبين على مخيمات تندوف، يعيشون تحت سلطة الأمر الواقع المفروضة من طرف الجزائر، وليس لهم أي تمثيل شرعي للصحراء أو لأبنائها.

التوصيتان اللتان تحدث عنهما التقرير (حق تقرير المصير، ومقاومة الشعب الصحراوي) تعيدان إنتاج الأسطوانة المشروخة التي باتت مكشوفة للرأي العام الدولي. العالم لم يعد يتعامل مع هذه الشعارات بمعزل عن الواقع الجيوسياسي والحقائق الميدانية. فمشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 نال إشادة واسعة من مجلس الأمن والأمم المتحدة ودول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، باعتباره الحل الجدي والواقعي للنزاع. أما "حق تقرير المصير" بالصيغة التي تروج لها البوليساريو، فلم يعد يجد آذانًا صاغية سوى لدى حلفاء الجزائر الأيديولوجيين.

إن مجرد عقد مؤتمر شبابي – حتى وإن شارك فيه 160 شابًا من دول مختلفة – لا يعني أنه يملك وزنا دبلوماسيًا أو قرارًا سياديًا. معظم هذه المؤتمرات موجهة للتكوين وتبادل الخبرات في العمل السياسي والنقابي، لا لإصدار قرارات مصيرية حول قضايا نزاع دولي. والدول المشاركة، بما فيها كوسوفو التي تعاني أصلاً من نزاع على سيادتها، لا تعني مشاركتها تأييدًا لمطالب انفصالية تتعارض مع القانون الدولي.

منذ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية بفضل المسيرة الخضراء سنة 1975، شهدت الصحراء المغربية طفرة تنموية غير مسبوقة. البنية التحتية، التنمية البشرية، المشاركة السياسية، مشاريع الطاقة والاقتصاد الأزرق، كلها تحوّل الصحراء المغربية إلى قطب جهوي واعد. كما أن شباب الصحراء يشاركون في انتخابات المغرب، يمثلون مناطقهم في البرلمان، ويستفيدون من المبادرات الوطنية في التكوين والشغل، عكس شباب المخيمات المحرومين من أبسط حقوقهم في حرية التنقل والتعبير تحت وصاية عسكرية جزائرية.

على الشباب الدولي، وخصوصًا أعضاء المنظمات الاشتراكية العالمية، أن يتحروا الحقائق، وألا يسمحوا بتحويل منابرهم إلى واجهات للأنظمة التي تسعى إلى خلق توترات إقليمية، وعلى رأسها النظام الجزائري الذي يستثمر في جبهة البوليساريو منذ نصف قرن بهدف تقويض استقرار المنطقة المغاربية. من الأولى الدفاع عن حقوق شباب تندوف، المحرومين من أبسط مقومات الحياة والحرية، عوض ترديد شعارات بائدة لا تخدم لا السلم ولا التنمية.

إن مشاركة بضعة أفراد من مخيمات تندوف في مؤتمر شبابي لا تعني شيئًا أمام واقع الصحراء المغربية المتجذر والمسنود دوليًا. والتاريخ، كفيل وحده، بكشف الفرق بين مشروع قائم على البناء والتكامل، وآخر مبني على الدعاية والانفصال.

0 التعليقات: