الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مايو 18، 2025

صحفي جزائري يفضح الوجه الخفي للقمع الإداري: عبده حقي


في واقعة أثارت صدمة داخل الأوساط الإعلامية والسياسية العربية، كشف الصحافي الجزائري المعروف، رافد حرز الله، عن تفاصيل تجربة صادمة عاشها في بلاده، بعد أن وجد نفسه ممنوعًا من مغادرة التراب الوطني دون علمه، أو حتى إشعاره بأي تهمة رسمية.

حرز الله، أحد الوجوه الإعلامية البارزة في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، ومراسل سابق لعدة قنوات عربية كبرى، ومدير حالي لمكتب قناة "الشرق نيوز" في باريس، قرر العودة إلى الجزائر بعد أن بلغه وجود ملف قضائي يتعلق به. إلا أن المفاجأة كانت في استقباله بإجراء قضائي يُعرف بـ"منع الخروج من التراب الوطني " (ISTN)، دون أن يتلقى أي استدعاء رسمي، أو يخضع لأي تحقيق أو مساءلة من الجهات القضائية أو الأمنية.

في شهادته المصورة التي نشرها عبر الفيديو، روى الصحافي كيف أمضى أكثر من شهر في الجزائر، من 8 أبريل حتى منتصف مايو، في محاولة لفهم سبب هذا الإجراء. لكن لا النيابة العامة ، ولا الشرطة القضائية، ولا الجهات الرئاسية، قدمت له أي توضيحات، رغم تواصله المباشر مع مسؤول رفيع في رئاسة الجمهورية، الذي لم يجد ما يقوله سوى: "تحلَّ بالصبر".

الأدهى أن التهمة الوحيدة التي سمعها كانت كلمة "الفساد"؛ كلمة فضفاضة لا تستند إلى وقائع واضحة أو أدلة ملموسة، خصوصًا وأن الصحافي لا يزاول أي نشاط تجاري في الجزائر، ولا يملك مصالح اقتصادية فيها. وعندما أُسقط في يده، لجأ إلى مخرج اضطراري عبر تونس مستخدمًا جواز سفره الكندي للعودة إلى مقر عمله في فرنسا، فارًا من إجراء إداري حوّله إلى سجين بلا قضبان.

في أحد فصول شهادته الأكثر إثارة، يروي حرز الله تواصله مع وزير الاتصال الحالي محمد مزيان، الذي ردّ عليه مازحًا : "لا تقلق، 40٪ من الجزائريين ممنوعون من السفر!". تعليق وصفه كثيرون بالسوداوي والساخر، لكنه يسلط الضوء على حجم الظاهرة المقلقة، التي تشير إلى استخدام إجراء ISTN بشكل واسع، يتجاوز بكثير الحدود القانونية والدستورية.

بحسب المادة 49 من الدستور الجزائري، فإن "حرية التنقل مضمونة" ولا يجوز تقييدها إلا بأمر قضائي مسبب ولأجل محدد. كما ينص قانون الإجراءات الجزائية (المادة 361 من الأمر 152-25 لسنة 2025) على أن المنع من السفر لا يجوز أن يتجاوز 3 أشهر، قابلة للتمديد مرة واحدة فقط، إلا في قضايا الفساد والإرهاب التي يمكن فيها تمديد القرار حتى انتهاء التحقيقات. ورغم ذلك، تُسجل شهادات عديدة عن مواطنين تجاوز منعهم من السفر السنتين والثلاث، دون محاكمة أو إخطار أو تحقيق فعلي.

حرز الله ليس وحده. فوفقًا لمصادر صحفية جزائرية، تم حجز أكثر من 30,000 جواز سفر منذ عام 2024، دون محاكمة أو إدانة. يشمل هذا الرقم نشطاء، رجال أعمال سابقين، أقارب لمسؤولين من عهد بوتفليقة، وحتى صحافيين ومثقفين. إجراء المنع لا يترافق غالبًا مع إشعار رسمي، بل يكتشفه المواطن لحظة توجهه للمطار، فيُمنع من الصعود إلى الطائرة، ويُترك فريسة للذهول والصدمة، دون تفسير.

إن هذه السياسة، التي تُمارس بقدر من السرية والتعسف، تُحول البلاد فعليًا إلى "سجن مفتوح" لآلاف الأشخاص، يُحرمون من أبسط حقوقهم، بلا أحكام قضائية أو توجيه اتهام مباشر. إنه نموذج صارخ للسلطة التعسفية التي تتجاوز القوانين، وتختزل العدالة في مزاج سياسي غامض.

تجربة حرز الله، وإن كانت فردية، إلا أنها تكشف عن اختلال بنيوي خطير داخل النظام القضائي والإداري في الجزائر. كما تطرح أسئلة محورية حول حدود السلطة التنفيذية، وحقيقة احترامها للحقوق الأساسية التي تضمنها الدساتير والمواثيق الدولية.

اليوم، وفي ظل غياب إعلام حر قادر على توثيق هذه الانتهاكات، تبقى شهادة هذا الإعلامي المستقل صرخة ضمير، ورسالة توعية للرأي العام المحلي والدولي. ما يحدث في الجزائر ليس مجرد خطأ إداري، بل "آلية قمع مُمَنهجة" تعيد إنتاج الاستبداد بصيغ إدارية وأمنية جديدة، تحت مظلة الصمت والشرعية الزائفة.

هل تتحرك المؤسسات الحقوقية؟ هل يفتح الإعلام الجزائري نقاشًا علنيًا حول الحق في التنقل؟ أم أن "المنع الصامت" سيبقى أحد أسلحة السلطة في معركتها ضد من تعتبرهم "غير مرغوب فيهم"، ولو كانوا مواطنين لم يرتكبوا سوى جرم التفكير بصوت عالٍ؟

0 التعليقات: