الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مايو 18، 2025

تعليق تنظيم الذكاء الاصطناعي على مستوى الولايات الأمريكية لمدة عشر سنوات :ترجمة عبده حقي


في خطوة مثيرة للجدل داخل المشهد التشريعي الأمريكي، دفع نواب الحزب الجمهوري بمشروع تعديل جديد على حزمة قانون التوفيق الميزانياتي لعام 2025، يتضمن بندًا واضحًا يهدف إلى منع الولايات الأمريكية من إصدار أو تطبيق أي قوانين تنظّم تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال العقد القادم.

اللغة التشريعية الجديدة أُدرجت في وقت متأخر من مساء 12 مايو 2025، قبيل عرض المشروع على لجان الكونغرس المختصة هذا الأسبوع، وسط متابعة حثيثة من دوائر الصناعة التكنولوجية والحقوق الرقمية.

وينص البند الجديد صراحة على أنه "لا يجوز لأي ولاية أو أي وحدة سياسية تابعة لها أن تنفّذ أي قانون أو تنظيم يخص نماذج الذكاء الاصطناعي، أو أنظمة الذكاء الاصطناعي، أو أنظمة اتخاذ القرار المؤتمتة، وذلك لمدة عشر سنوات تبدأ من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ".

تراجع عن مبدأ "حقوق الولايات"

المفارقة، كما علّق العديد من المراقبين، أن هذا التوجه يتعارض مع الموقف التقليدي للحزب الجمهوري الذي لطالما رفع شعار الدفاع عن حقوق الولايات في مواجهة السلطة الفيدرالية. أما اليوم، فإن المشروع يمثل تدخلًا فدراليًا مباشرًا يقيّد قدرة الولايات على الاستجابة للمخاطر المحلية المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، كحماية الخصوصية، أو مكافحة الاحتيال الرقمي، أو تنظيم استخدام الأنظمة المؤتمتة في التوظيف والتعليم والعدالة الجنائية.

نفوذ وادي السيليكون يصل إلى الكابيتول

هذه التحركات تأتي في سياق التوجه الجديد للإدارة الجمهورية الثانية للرئيس دونالد ترامب، الذي أبدى مؤخرًا اهتمامًا متزايدًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي، بعدما كان قد ألغى في وقت سابق عدة أوامر تنفيذية صادرة عن إدارة بايدن بشأن ضبط مخاطر الذكاء الاصطناعي.

ومن اللافت أن أسماء كبرى مثل إيلون ماسك ومارك أندريسن – المرتبطين مباشرة باستثمارات ضخمة في القطاع – أُدرجت ضمن المستشارين غير الرسميين الذين شاركوا في صياغة توجهات الإدارة الجمهورية حيال الذكاء الاصطناعي.

ضغط من OpenAI وتجاوب تشريعي

اللافت أن هذه الخطوة تأتي بعد أشهر قليلة من تقديم شركة OpenAI مذكرة من 15 صفحة للإدارة الجمهورية، طالبت فيها الحكومة الفيدرالية بوقف مشاريع القوانين التي تدرُسها بعض الولايات، معتبرةً أن مثل هذه القوانين "ستُبطئ من وتيرة الابتكار والتقدم" في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع تضمين هذا البند في قانون التوفيق الميزانياتي، يبدو أن طلب الشركة قد لاقى استجابة مباشرة.

قانون يتجاوز الذكاء الاصطناعي

ورغم التركيز على الذكاء الاصطناعي، فإن مشروع القانون لا يقتصر على هذا القطاع فحسب. إذ يتضمن أيضًا بنودًا مثيرة للجدل، مثل تقليص مخصصات برنامج ميديكيد الصحي، وإلغاء برنامج Direct File الذي يسمح للأمريكيين بتقديم إقراراتهم الضريبية مجانًا عبر الإنترنت. ويُلزم البند وزارة الخزانة الأمريكية بإنهاء البرنامج "بأسرع وقت ممكن"، وفي أقصى تقدير خلال 30 يومًا من بدء سريان القانون.

تغييرات جمركية متزامنة

من جانب آخر، يتضمن مشروع القانون كذلك إنهاء الإعفاء الجمركي المعروف بـ De Minimis، الذي يسمح بدخول شحنات تقل قيمتها عن 800 دولار إلى الولايات المتحدة دون رسوم جمركية. وكان الرئيس ترامب قد ألغى هذا الإعفاء سابقًا فيما يتعلق بالصين، لكن النص الجديد سيجعل الإلغاء شاملًا ودائمًا لكافة الدول. ويأتي ذلك رغم إعلان الإدارة ذاتها عن تخفيض مؤقت للرسوم الجمركية على الشحنات الصينية الصغيرة من 120% إلى 54%، في إطار هدنة تجارية قصيرة الأجل.

نحو مركزية اتحادية للذكاء الاصطناعي؟

المؤيدون للمشروع يرون أنه يوفّر بيئة موحدة للمستثمرين والمطورين بعيدًا عن الفوضى القانونية التي قد تنجم عن تعدد القوانين المحلية. لكن النقّاد يحذّرون من أن حرمان الولايات من التدخل في هذا المجال شديد الحساسية قد يُضعف الحماية القانونية للأفراد ويزيد من هيمنة الشركات الكبرى، ما يُشبه وضع تنظيم الذكاء الاصطناعي "في الثلاجة الفيدرالية" لعقد كامل.

في نهاية المطاف، لا تزال المعركة التشريعية مفتوحة، والجدل حول من يحق له ضبط الذكاء الاصطناعي – الدولة الفيدرالية أم الولايات – سيكون أحد محاور الصراع السياسي والتقني في السنوات القادمة.


0 التعليقات: