الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، مايو 17، 2025

البروباغندا الانفصالية تتسلل إلى قاعات جامعة السوربون : عبده حقي


في مشهد لا يخلو من التناقضات الصارخة والمغالطات التاريخية والقانونية، احتضنت جامعة السوربون في باريس ندوة بعنوان "الاستعمار في الصحراء الغربية وموقف فرنسا منها"، تحوّلت إلى منصة دعائية لجبهة البوليساريو وممثلها في فرنسا، محمد علي الزروالي، الذي لجأ إلى اجترار روايات مشوهة، وتقديم المغرب كقوة استعمارية، ضاربًا عرض الحائط بالوقائع التاريخية، والمعطيات السياسية، والشرعية الدولية، بل حتى بالمسار التنموي الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.

إن وصف التواجد المغربي في أقاليمه الجنوبية بـ"الاستعمار" يتناقض جذريًا مع التاريخ والجغرافيا والشرعية الدولية. فالصحراء كانت جزءًا لا يتجزأ من الدولة المغربية قبل الاستعمار الإسباني، وهو ما أثبته رأي محكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975، الذي أكد وجود روابط قانونية وروحية بين القبائل الصحراوية وسلطان المغرب. وبالتالي، فإن استرجاع المغرب لأقاليمه بعد المسيرة الخضراء هو "تحرير لأرضه من الاستعمار الإسباني، وليس بداية استعمار جديد."

ادعاء الزروالي بأن المغرب انتهك اتفاق وقف إطلاق النار، هو محاولة مفضوحة لقلب الحقائق. «جبهة البوليساريو هي من أعلنت رسميًا في نوفمبر 2020 إنهاء التزامها بوقف إطلاق النار» الموقع سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة. وقد جاء ذلك عقب قيام عناصر انفصالية بإغلاق معبر الكركرات التجاري الحدودي، وعرقلة حركة البضائع والمدنيين، ما دفع المغرب إلى «تأمين المعبر في عملية سلمية وبدون أي اشتباك»، وهو ما رحبت به عدة دول ومنظمات إقليمية ودولية.

الادعاءات المتعلقة بـ"نهب ثروات الصحراء" تتجاهل حكم «محكمة العدل الأوروبية في 21 ديسمبر 2016»، الذي لم يمنع الأنشطة الاقتصادية في الصحراء، بل اشترط أن تعود بالفائدة على سكان المنطقة، وهو ما ينطبق على السياسة المغربية التنموية. فالمغرب استثمر «مليارات الدراهم في البنى التحتية، الطاقات المتجددة، التعليم، والموانئ»، من الداخلة إلى العيون، بما في ذلك مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يُعد بوابة إفريقيا إلى المحيط.

إن وصف الموقف الفرنسي بـ"الظالم" يعكس تجاهلًا متعمدًا للواقع السياسي. ففرنسا، كما غالبية دول العالم، «تعترف بوجاهة المقترح المغربي للحكم الذاتي» كحل جدي وواقعي وذي مصداقية، كما جاء في قرارات مجلس الأمن المتتالية، وآخرها القرار 2703 (أكتوبر 2023). هذا المقترح يمنح سكان الصحراء المغربية تدبير شؤونهم بأنفسهم في إطار السيادة المغربية، وهو ما يتجاوز خطاب تقرير المصير التقليدي الذي تُفرغه البوليساريو من معناه الحقيقي.

إنه من المضلل القول إن المغرب يرفض مراقبة حقوق الإنسان، في حين أنه وقّع على معظم الاتفاقيات الدولية، ويوجد «في الأقاليم الجنوبية مؤسسات وطنية مستقلة، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بفروعه في العيون والداخلة»، التي تنجز تقارير دورية معترف بها دوليًا. أما محاولة توسيع ولاية بعثة المينورسو لتشمل حقوق الإنسان، فهي مطلب سياسي ترفعه البوليساريو لشرعنة حضورها وليس لحماية الصحراويين.

إن وصف قضية الصحراء بـ"قضية تصفية استعمار" هو تجاهل لما أصبح واقعًا جيوسياسيًا لا رجعة فيه. فالأقاليم الجنوبية اليوم تحت السيادة المغربية، و»أكثر من 30 دولة فتحت قنصليات في العيون والداخلة»، اعترافًا عمليًا بمغربية الصحراء. كما أن الاتحاد الإفريقي لم يعد يعترف بالجمهورية الوهمية كدولة عضو فاعل، بل صار ينظر للمقترح المغربي كمسار حل أفريقي عقلاني.

من المؤسف أن تتحول منابر جامعية مرموقة مثل السوربون إلى «فضاء لإعادة تدوير الدعاية الانفصالية»، بدل أن تكون حواضن لبحث أكاديمي متزن يعتمد على المصادر الموثوقة لا على ممثلي كيان غير معترف به في الأمم المتحدة. إن الأكاديمية الحقيقية لا تقف على أطلال الخرافة، بل تُبنى على تراكم الحقائق، واستحضار المعاناة الحقيقية للصحراويين المحتجزين في «مخيمات تندوف»، حيث يُحرمون من أبسط الحقوق، ويُستخدمون كوقود سياسي لخدمة أجندات دولة راعية للنزاع على رأسها الجزائر.

لا يمكن خداع الرأي العام الدولي إلى الأبد. فالمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، والشرعية لا تسقط أمام ضجيج الخطابات المتعالية في قاعات جامعية بعيدة عن نبض الميدان.

0 التعليقات: