في السنوات الأخيرة، برزت قضية "الجنس مقابل النقط" وهي ظاهرة يُقدم فيها بعض الأساتذة على استغلال سلطتهم لابتزاز الطالبات جنسيًا مقابل النجاح أو تحسين النتائج الدراسية كإحدى أخطر الأزمات التي تعصف بمؤسسات التعليم العالي حول العالم. إن هذا التحقيق الصحفي يستعرض حالات بارزة من المغرب وغرب إفريقيا وصولًا إلى أمريكا وآسيا، ويُظهر أن هذه الممارسة ليست حالات معزولة، بل نمطًا منهجيًا من الانتهاك.
في المغرب، فجّرت سلسلة
من القضايا القضائية موجة وعي وطني تجاه ظاهرة "الجنس مقابل النقط". ففي
يناير 2022، حُكم على أستاذ في إحدى الجامعات بمدينة بالسجن سنتين بتهمة التحرش الجنسي
والاعتداء الفاضح، بعدما ثبت تورطه في مقايضة النجاح الجامعي بعلاقات جنسية مع طالبات.
وقد أثارت هذه القضية
زوبعة إعلامية واجتماعية غير مسبوقة، تبعها سيل من الشهادات من طالبات في جامعات أخرى،
ما أدى إلى فتح تحقيقات جديدة وإحالة أساتذة على القضاء. وقد أشاد «المجلس الوطني لحقوق
الإنسان» بسرعة تدخل السلطات وشجاعة الضحايا في كسر حاجز الخوف، وبرز وسم #MeTooUniv كحركة رقمية لدعم الطالبات وإدانة المعتدين.
في عام 2019، بثّت
قناة
BBC Africa Eye تحقيقًا
صادمًا بعنوان
"Sex for Grades"، وثّق حالات ابتزاز جنسي في جامعتي لاغوس النيجيرية
وليغون الغانية. فقد تنكر الصحفيون كطلبة، وتمكنوا من تسجيل مقاطع فيديو لأساتذة يطلبون
علاقات جنسية مقابل تقديم مساعدات أكاديمية أو نجاح مضمون.
وقد أثار الفيلم ضجة
هائلة في غرب إفريقيا، أدت إلى إيقاف عدد من الأساتذة وبدء نقاش مجتمعي حول حدود السلطة
داخل الحرم الجامعي. من جهتها «هيومن رايتس ووتش» علّقت بأن هذه الظاهرة ليست محصورة
في نيجيريا أو غانا، بل رُصدت أيضًا في السنغال وتنزانيا والإكوادور، مما يؤكد طابعها
العالمي.
ظاهرة الاستغلال الجنسي
في الجامعات لا تقتصر على الدول النامية. ففي الولايات المتحدة، أظهر تحقيق شهير يُعرف
بفضيحة
"Varsity Blues" كيف تم التلاعب بقبول الطلاب عبر الرشى، وبعضها شمل تواطؤًا جنسياً ضمن
شبكات النفوذ والتمييز.
أما في اليابان، فكشف
تقرير سنة 2018 أن جامعة طوكيو الطبية قامت بتقليص نقاط الطالبات عمدًا في اختبارات
القبول للحد من عدد النساء المقبولات، في خرق فاضح لمبدأ تكافؤ الفرص، يعكس تحيزًا
جندريًا بنيويًا في التعليم الجامعي.
مكافحة ظاهرة
"الجنس مقابل النقط" تتطلب تحركًا شاملاً على عدة مستويات:
إصلاح السياسات الداخلية:
يجب على الجامعات اعتماد أنظمة واضحة تُجرّم التحرش
والاستغلال، مع آليات فعالة لتقديم الشكايات ومتابعتها دون خوف أو انتقام.
تشريعات صارمة:
على الحكومات إصدار قوانين تجرّم بوضوح أي استغلال
جنسي داخل المؤسسات التعليمية وتضمن تنفيذها بصرامة.
تحول ثقافي:
من الضروري تفكيك الموروثات المجتمعية التي تبرّر
أو تهمّش خطورة التحرش الجنسي، من خلال التربية والتوعية.
دعم الضحايا:
يجب توفير مراكز دعم نفسي وقانوني للطالبة المتضررة،
تُمكنها من استرجاع كرامتها ومسارها الدراسي.
الصدى العالمي لحركة #MeTooUniv وغيرها يعكس وعيًا متزايدًا بخطورة السكوت
عن الاستغلال في مؤسسات يفترض بها أن تكون فضاءً للعلم لا للإهانة. إن كسر الصمت هو
الخطوة الأولى نحو حرم جامعي آمن وعادل، حيث لا تُصبح الشهادة ثمرة مساومة، بل نتيجة
اجتهاد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق