في سياق إقليمي ودولي يتّجه نحو البحث عن حلول سياسية واقعية ومستدامة، يواصل المغرب ترسيخ مقترحه المتقدم للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، باعتباره الإطار الوحيد القادر على إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فبموازاة الزخم الدبلوماسي الذي تحققه الرباط على الساحة الدولية، تبرز فاعليتها الأكاديمية والتنموية كدعائم استراتيجية تضمن استمرارية المبادرة المغربية ومصداقيتها.
ففي برشلونة، المدينة
الأوروبية العريقة بحواراتها الفكرية، نظّم المغرب سلسلة لقاءات أكاديمية ركزت على
عرض الأبعاد القانونية والسياسية والاقتصادية لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به إلى
الأمم المتحدة سنة 2007. هذه اللقاءات لا تُعتبر فقط واجهة للنقاش الحر، بل آلية فعالة
في الدبلوماسية الموازية لتقويض الخطابات الانفصالية التي تفتقد إلى الواقعية، وتؤكد
التزام المغرب بالحوار والتعددية.
في المقابل، تظهر مؤشرات
التآكل الداخلي لجبهة البوليساريو بشكل صارخ. فقد أطلقت *الحركة الصحراوية من أجل السلام*،
المنبثقة عن أبناء المنطقة أنفسهم، رسالة مفتوحة تندد بسياسات البوليساريو "الكارثية"
وتصف أوضاع اللاجئين الصحراويين في تندوف بالمأساوية. هذه الدعوة الجريئة إلى الحوار
الواقعي تمثل انزياحاً متزايداً عن خطاب التصلب والعسكرة الذي تتبناه الجبهة منذ عقود،
وتؤكد وجود وعي داخلي متصاعد بضرورة التغيير والانخراط في مسار سياسي بديل، يجد في
المبادرة المغربية أفقاً واعداً.
ورغم محاولات البوليساريو
الحثيثة للحفاظ على شرعيتها الرمزية من خلال المشاركة الشكلية في اجتماعات الاتحاد
الإفريقي وتنظيم فعاليات رمزية في كوبا، إلا أن هذه التحركات تظل معزولة عن نبض الساحة
الدولية. فوجود ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" في منتديات إفريقية لا يعدو
كونه بقايا تحالفات سياسية تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، في وقت تتحول فيه مواقف
العديد من الدول نحو دعم المبادرة المغربية، باعتبارها الأكثر واقعية وقابلية للتنفيذ،
كما أكدت ذلك مواقف غانا، والولايات المتحدة، وإسبانيا، وأخيرا بريطانيا.
الأنشطة الإعلامية
التي تنظمها الجبهة، سواء في كوبا أو عبر وسائلها التابعة، لا تغيّر من واقع أن البوليساريو
تعاني من تراجع داخلي وفقدان التأييد الخارجي. فهي تراهن على خطابات رمزية وشعارات
تجاوزها الزمن، في حين يراكم المغرب إنجازاته الميدانية في أقاليمه الجنوبية: مشاريع
تنموية كبرى، بنيات تحتية تربط الداخلة والعيون بموانئ الأطلسي، استثمارات طاقية مستدامة،
وتحولات عمرانية تعكس إصرار المملكة على تحويل الصحراء إلى قطب اقتصادي إفريقي.
لقد أصبح الفرق جلياً
بين مشروع واقعي ومندمج يضع الإنسان في قلب التنمية، وبين خطاب جامد يعيد إنتاج معاناة
ساكنة المخيمات. فبينما تروج الجبهة لصور الشهداء والأعلام، يعمل المغرب على بناء المدارس
والجامعات والمستشفيات، ويستقطب الاستثمارات ويربط الصحراء بمحيطها الإفريقي والمتوسطي.
في نهاية المطاف، لا
يبدو أن الزمن السياسي يعمل لصالح الأطروحة الانفصالية، ولا أن الشعارات الأيديولوجية
كفيلة بإخفاء الإخفاقات المتكررة. أما المغرب، فبمقترح الحكم الذاتي، لا يعرض فقط حلاً
سياسياً، بل يقدم نموذجاً للتنمية والسلام الإقليمي، في انسجام تام مع إرادة الأمم
المتحدة ومع طموحات ساكنة الأقاليم الجنوبية في الانتماء والاستقرار.
لقد نجح المغرب، عبر
تبنّيه لمقترح الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع، في مواءمة طرحه مع قرارات مجلس الأمن
التي تنص على ضرورة التوصل إلى حل "سياسي واقعي، عملي ودائم، يقوم على التوافق".
وتؤكد تقارير الأمم المتحدة المتعاقبة أن هذا المقترح يشكل أساساً جدياً وذا مصداقية،
وهو ما ينسجم مع الدعم المتزايد الذي تحظى به الرباط على الصعيد الدولي. فاليوم، تجاوز
عدد الدول التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي وتتفاعل معها كحل وحيد للنزاع أكثر من 90
دولة، فيما تراجع عدد الدول التي تعترف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" إلى
أقل من 30، بعد أن سحبت العديد منها اعترافها خلال العقد الأخير، اقتناعاً بعدم جدوى
استمرار كيان انفصالي لا تتوفر فيه مقومات السيادة ولا يعكس إرادة السكان. هذه التحولات
تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الدينامية الدولية تميل بوضوح لصالح الطرح المغربي،
وتعيد تموقع الصحراء المغربية في إطار من الاستقرار السياسي والانخراط في مشروع تنموي
قاري واعد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق