لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية صمّاء تُستخدم لحساب البيانات أو تنظيم المهام. لقد تجاوز هذا الدور نحو منطقة أكثر حساسية وإنسانية: منطقة العاطفة. ففي اليابان، انطلقت دراسة نفسية حديثة حاولت أن تفتح هذا الباب المعقّد، باحثةً في إمكانية نشوء روابط وجدانية بين البشر وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
اعتمد فريق من جامعة واسيدا على ما يُعرف في علم النفس بـ"نظرية التعلّق" — وهي النظرية التي تفسر كيف تتكون الروابط العاطفية بين البشر — وطبّقوها على العلاقة بين الإنسان والأنظمة الذكية. لم تكن الفكرة عبثية كما قد يتخيل البعض، بل ميدانية قائمة على قياس علمي واضح. ابتكر الباحثون أداة جديدة أطلقوا عليها "مقياس الخبرات في العلاقات بين الإنسان والذكاء الاصطناعي" (EHARS)، وهي مصممة لقياس أنماط التعلّق النفسي التي يظهرها الأفراد عند تفاعلهم مع الذكاء الاصطناعي، خاصة التفاعلات التي تُعبّر عن حاجة إلى الطمأنينة، أو رفض لأي تقارب وجداني.
المثير في النتائج أن 75% من المشاركين في الدراسة أفادوا بأنهم استخدموا الذكاء الاصطناعي ليس فقط للإجابة عن استفساراتهم أو أداء مهامهم اليومية، بل للحصول على نصائح وتوجيهات ذات طابع نفسي وشخصي. هذا الرقم لا يمكن اعتباره مجرد مؤشّر عابر. إنه دلالة على أن جزءًا مهمًا من الناس بات يجد في الذكاء الاصطناعي شكلًا من أشكال الدعم، بل وربما الرفقة.
وكما في العلاقات البشرية، أظهرت الدراسة وجود نمطين متناقضين في التفاعل العاطفي مع الذكاء الاصطناعي. الأول هو "قلق التعلّق"، حيث يشعر الفرد بحاجة مستمرة إلى التأكيد على أنه مسموع ومفهوم، ويخشى أن يُهمل. أما النمط الثاني فهو "تجنّب التعلّق"، ويتجلى في الميل إلى التفاعل العملي البحت، مع تجنّب أي بُعد شعوري.
لكن هل يعني هذا أن الإنسان بدأ يطوّر مشاعر حقيقية تجاه الآلة؟ ليس بالضرورة. الدراسة لم تزعم أن الذكاء الاصطناعي قادر على تبادل المشاعر أو فهمها بشكل حقيقي، بل تشير إلى أن الإنسان قد يُسقِط أنماط تعلّقه العاطفي التقليدية على هذه التقنية، تمامًا كما يفعل أحيانًا مع الحيوانات الأليفة أو حتى الشخصيات الخيالية.
هذا الفهم الجديد للعلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له تطبيقات كبيرة في مجالات مثل الدعم النفسي الرقمي، أو تصميم روبوتات الرفقة لكبار السن، أو حتى أدوات مساعدة للمرضى الذين يعانون من العزلة. يمكن لتلك الأنظمة أن تُبرمج على أساس النمط العاطفي للمستخدم: فالأشخاص ذوو "قلق التعلّق" قد يستفيدون من إجابات أكثر حنانًا وتعاطفًا، في حين يُفضَّل أن يكون التفاعل مع أصحاب "تجنّب التعلّق" مقتضبًا ووظيفيًا.
في النهاية، قد لا يكون الذكاء الاصطناعي "يحبّنا"، لكنه بالتأكيد يعكس لنا جانبًا عميقًا من حاجتنا إلى من يسمعنا، حتى ولو كان بلا روح. لقد دخلت الآلة إلى الحيّز النفسي من حياتنا، وعلينا أن نعي تبعات ذلك، ونستعد لفصل جديد من العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، علاقة قد تكون عقلانية في جوهرها، لكنها عاطفية في مظهرها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق