الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، يونيو 21، 2025

فشل ذريع في تشويه صورة المغرب وقضيته الوطنية العادلة: عبده حقي


في سياق تتكثف فيه الحملات الدعائية ضد المغرب، برزت مؤخرًا ثلاث روايات إعلامية تسعى، بشكل منسق أو عشوائي، إلى تقويض صورة المملكة المغربية وتشويه مقاربتها السياسية والتنموية، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. هذه الروايات تتوزع بين اتهامات سياسية لا أساس لها من الصحة، وتغطيات مغرضة لأحداث داخلية، ومحاولات لتقزيم المبادرات الاقتصادية المغربية الناجحة في الجنوب. ومن أجل تفكيك هذه الروايات، نقدم في هذا المقال قراءة نقدية تحليلية لها، مع تقديم الأدلة السياسية والواقعية التي تدحضها.

أبرز الادعاءات التي راجت مؤخرًا وردت على لسان فلويد شيفامبو، القيادي الجنوب إفريقي، الذي اتهم حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) بتلقي "رشاوى مغربية" لتغيير موقفه من قضية الصحراء. إن هذه التصريحات، المنشورة في "زامبيا أوبزرفر"، تفتقد إلى أبسط شروط المصداقية الصحفية، لكونها تفتقر إلى أدلة دامغة أو وثائق تدعم تلك المزاعم. كما أن توقيت هذه التصريحات، المتزامن مع تنامي الدعم الإفريقي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، يطرح علامات استفهام حول الخلفيات السياسية التي تحرك مثل هذه الاتهامات.

ينبغي التذكير بأن المغرب لا يعتمد سياسة الرشوة أو الضغط المالي لشراء المواقف، بل يراكم على مدى سنوات شبكة من العلاقات الدبلوماسية والشراكات التنموية الواقعية مع عدد من الدول الإفريقية. والمواقف التي أعلنتها دول مثل السودان وجنوب السودان ورواندا والغابون بدعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي تأتي في سياق هذا التحول العقلاني تجاه نزاع عمر طويلا، وتقديرًا لوجاهة الطرح المغربي، الذي يحظى بدعم واسع من الأمم المتحدة وقوى دولية وازنة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.

أما الادعاء الثاني، الذي بثته وكالة أنباء "واص"، الذراع الإعلامية لجبهة البوليساريو، فيتعلق بـ"اعتداء قوات الاحتلال المغربي" على ناشطين صحراويين في العيون. أولًا، استخدام مصطلح "الاحتلال" يناقض الواقع القانوني والشرعي، حيث تمارس المملكة المغربية سيادتها الكاملة على أقاليمها الجنوبية، ضمن إطار اعتراف دولي متزايد بمخطط الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي. وثانيًا، فإن الأوضاع في العيون والداخلة والسمارة وغيرها من مدن الصحراء المغربية تتميز بالاستقرار، وتشهد حركية اقتصادية واجتماعية وثقافية لا تخفى إلا على من اختار أن يتعامى عنها.

أما عن الاحتجاجات المحدودة التي تثيرها الجبهة من حين لآخر، فهي في الغالب تفتقد للمشروعية القانونية، وتكون مؤطرة من خارج الحدود وتستغل رمزية بعض التواريخ لافتعال صدامات. السلطات المغربية، كما تؤكد تقارير منظمات مستقلة، تتعامل مع هذه الأحداث في إطار القانون وتحترم قواعد حقوق الإنسان، خلافًا لما يُروج في دعايات "واص"، التي لا تملك مراسلين مستقلين ولا تعتمد على شهادات محايدة، بل تُبنى سردياتها على بيانات سياسية صادرة عن الجبهة في تندوف.

في المقابل، جاء خبر تنظيم "منتدى العيون الاقتصادي" بتعاون بين المغرب وبرلمان مجموعة "سيماك" (الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا) ليؤكد رسوخ العمق الإفريقي للمغرب، وانخراطه الفعلي في دينامية تنموية تشمل الأقاليم الجنوبية. إن هذا المنتدى ليس مجرد نشاط بروتوكولي، بل هو مؤشر سياسي واقتصادي واضح على أن العيون، كبرى حواضر الصحراء، أصبحت مركزًا استراتيجيًا للعلاقات جنوب-جنوب، كما أرادها الملك محمد السادس في خطبه وتوجهاته الإفريقية.

المنتدى جمع مسؤولين من ست دول إفريقية، وركز على قضايا حيوية مثل الأمن الغذائي والطاقة والتمويل المشترك، ما يعكس إرادة إفريقية لبناء مستقبل جماعي، تكون فيه الأقاليم الصحراوية المغربية منصة للربط بين إفريقيا الغربية وشمال إفريقيا. الرد الفعلي على خصوم المغرب لا يكون بالبيانات العدوانية أو الدعاية الانفصالية، بل بمثل هذه الخطوات الواقعية التي تُكرس مكانة الصحراء كمكون أساسي في التنمية المغربية والإفريقية.

الادعاءات الثلاثة المذكورة، وإن بدت متفرقة في السياق، إلا أنها تصب في نهر واحد: محاولة نسف شرعية السيادة المغربية على صحرائها، سواء بتشويه نواياها الدبلوماسية، أو بتأليب الرأي العام من خلال أخبار زائفة، أو بتحقير إنجازاتها الاقتصادية في الجنوب. غير أن هذه الحملات تواجه في المقابل جدارًا صلبًا من الحقائق: اعتراف متنامٍ بمقترح الحكم الذاتي، واستثمارات كبرى في الأقاليم الجنوبية، وانفتاح مغربي متزايد على العمق الإفريقي.

وبينما ينشغل الخصوم بترديد شعارات متآكلة، يراكم المغرب ثمار الدبلوماسية الذكية والتنمية المندمجة، ويكسب في كل محطة حلفاء جدد لقضيته العادلة، في انتظار حل نهائي مبني على الواقعية، كما تدعو إلى ذلك قرارات مجلس الأمن.

0 التعليقات: