الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يوليو 24، 2025

صدور كتاب الذكاء الاصطناعي بين الإبهار والتزييف للكاتبة نادية هناوي


في محاولة جريئة لاختبار قدرات الذكاء الاصطناعي في النقد الأدبي، لجأت الباحثة العراقية نادية هناوي إلى استجواب برنامج ChatGPT-4o، وطلبت منه أن يكتب دراسات نقدية حول أربعة أعمال أدبية بارزة: قصة "صحيفة التساؤلات" للقاص العراقي المعروف محمد خضير، ورواية "المخطوط القرمزي" للكاتب الإيطالي أنطونيو كالا، وقصيدة مالك بن الريب الشهيرة "ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة"، وقصيدة محمود درويش "خطبة الهندي الأحمر". إلا أن الإجابات، كما تشير هناوي، لم تكن في مستوى التطلعات، إذ بدت ساذجة وسطحية، خالية من العمق الفني والقدرة على الغوص في البنيات النصية والسياقات الثقافية.

هذا التمرين النقدي شكّل أحد محاور كتابها الجديد الصادر حديثاً عن مؤسسة أبجد للتوزيع والنشر تحت عنوان مثير للجدل: "الذكاء الاصطناعي: التأهيل والتهويل". في هذا المؤلف الممتد على 325 صفحة، تقسم الكاتبة الكتاب إلى قسمين رئيسيين يضمان عشرة فصول تتناول موضوعات متعددة تتقاطع عند سؤال محوري: ما الذي يستطيع الذكاء الاصطناعي فعلاً أن يقدمه في حقل الأدب، وما الذي يعجز عنه؟

بين فصول تتناول "مزايا الذكاء"، و"مؤاخذاته"، و"تهويلاته"، و"متخيلاته"، و"سردياته الرقمية"، مرورًا بمفاهيم مثل "السايبورغ"، و"مسرحة الآلة الذكية"، و"الأتمتة"، تسعى الباحثة إلى تقديم رؤية نقدية شاملة تنأى عن السطحية أو التهويل، وتقوم على تأملات معرفية دقيقة في تحولات الكتابة والإبداع في زمن تقاطع الأدب مع الخوارزميات.

وتؤكد هناوي أن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغت تطوراته، لا يملك ما تسميه "الموهبة الإبداعية"، ذلك الإشراق الداخلي الذي يتميز به الأديب الحقيقي، ولا يمتلك كذلك أدوات الناقد المحنك، التي تقوم على تراكم الخبرة، وتعدد زوايا النظر، وحساسية التعامل مع النصوص ككائنات حيّة. وتسند الكاتبة هذا الرأي إلى بيانات وإحصائيات عالمية، من أبرزها دراسة تشير إلى أن أكثر من 40% من الشركات اليابانية لا تنوي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب، نظراً إلى الشكوك المحيطة بموثوقيته، وتعرضه للاختراقات، وافتقاره إلى الخبرة السياقية.

ما تسعى الكاتبة إلى تقويضه في هذا العمل هو تلك النظرة المتعجلة التي تروّج لفكرة أن الذكاء الاصطناعي قادر على أن يكون بديلًا للكاتب البشري، وأنه يستطيع إنتاج روايات وقصائد ونصوص نقدية تضاهي ما يكتبه الأدباء والنقاد من لحم ودم. ترى هناوي أن هذا الوهم يجد مبرراته في الترويج الإعلامي المفرط، حيث يُصوَّر الذكاء الاصطناعي على أنه كائن واعٍ، يكتب بشعور، ويحلل بنقد، بينما هو في الواقع، كما تصفه، مجرد "سلسلة من الخوارزميات" تخلو من التعاطف، والوعي، والإدراك الجمالي.

وتكشف فصول الكتاب عن تحفّظ واضح تجاه ما تصفه بـ"الانبهار الزائف" بالآلة الذكية، وتدعو إلى التمييز الحازم بين الإبداع الحقيقي والمحاكاة الرقمية، إذ أن ما يُنتَج من نصوص بواسطة الذكاء الاصطناعي ليس سوى اجترار لصيغ لغوية موجودة سلفاً، مأخوذة من شبكة الإنترنت، دون أن يضيف شيئاً جديداً في مستوى الخلق أو الابتكار.

الكتاب لا يكتفي بالنقد، بل يفتح الباب أمام أسئلة فكرية عميقة حول مفهومي التأليف والأصالة: هل يمكن الحديث فعلًا عن "مؤلف آلي"؟ وما مصير فكرة الملكية الفكرية إذا أصبح بمقدور أيٍّ كان أن ينتج "نصوصًا أدبية" بمجرد الضغط على زر؟ وماذا عن التحيزات المضمرة التي قد يحملها النص الناتج عن الذكاء الاصطناعي؟ أليس من المحتمل أن يكرس هذا النوع من الإنتاج الأدبي الرقمي أشكالاً من الاستسهال والسطحية في الذوق العام؟

وفي محصلة قراءتها، ترى الباحثة أن الذكاء الاصطناعي ما يزال بعيدًا عن القدرة على منافسة الإبداع البشري، فكل ما يقدمه هو محاكاة سطحية قد تخدع غير المختصين، لكنها لا تصمد أمام نقد أدبي حقيقي. ومن هنا تأتي دعوتها إلى ضرورة التوعية المجتمعية والثقافية، ليس برفض الذكاء الاصطناعي، بل بتحديد مجالات استعماله، وكشف عيوبه، والتعامل معه بوصفه أداة مساعدة، لا بديلًا عن الإنسان.

كتاب "الذكاء الاصطناعي: التأهيل والتهويل" لا ينتمي إلى أدبيات الرفض المطلق، لكنه يشكل وقفة تأمل ضرورية في لحظة يختلط فيها السحر بالتقنية، والدهشة بالخوف، والأدب بالخوارزمية.


0 التعليقات: