الجالية المغاربية في فرنسا كرونولوجيا الحضورالإعلامي ترجمة : عبده حقي
يروم هذا المقال سرد أهم محطات الكرونولوجية الإعلامية للإسلام في القنوات التلفزية الغربية والفرنسية منها على الخصوص منذ تفجيرقضية الكاتب الباكستاني سلمان رشدي والجدل الساخن الذي أثارته ظاهرة الحجاب سنة 1989 في فرنسا إلى جانب العديد من الأسئلة الأساسية والهامشية أيضا التي تمحورت حول الإسلام في الإعلام الفرنسي ، وهي ذات الأسئلة التي شكلت أهم الملفات في نشرات الأخباروفي مختلف المجلات الإخبارية والأفلام الوثائقية .
يمكن إعتبارعشرية الثمانينات هي عتبة إنطلاق تاريخ الإعلام الإسلامي الذي أصبح ينشغل بقضايا الجاليات العربية والمسلمة في فرنسا . فقد عرفت سنوات السبعينات أحداثا سياسية عالمية كبرى ، حرب أكتوبرو(هبوط أسعارالنفط ) سنة 1973 والثورة الإيرانية 1979-1978 التي فجرت زخما من الصورالإعلامية الصادمة وأذكت الإحساس بالإسلام باعتباره خطرا خارجيا قادما ، وبالرغم من هذه الأحداث التي عرفتها عشرية السبعينات فإن المهتمين بالصحافة السياسية لم يتمكنوا وقتئذ من تحديد ماهية الإسلام باعتباره موضوعا إعلاميا وباعتباره أيضا قضية تستوجب البحث عن أضواء كاشفة لحقيقته .
منذ قضية سلمان رشدي وكتابه السيء الذكر(آيات شيطانية) وانفجارمشكلة الحجاب في منطقة (كرويل) في فرنسا سنة 1989 كان الإعلام التلفزي الفرنسي أول من أضفى طابعي (الخير) و(الشر) على الظاهرة الإسلامية في الغرب ، والإعلام الفرنسي أيضا هو من أطلق نعتي (مهاجرأصولي) أونقيضه (مهاجرمندمج) على الجاليات العربية المسلمة . هذا بالإضافة إلى مجموعة من الرموزوالإشارات البصرية التي رافقت ودعمت هذين المفهومين الجديدين. وبهذا حدثت قطيعة حتمية بين صورة صنعتها مخلفات المرحلة الإستعمارية منذ أوائل القرن العشرين ونظرة عنصرية وكراهية صنعتها تحولات الهجرة مع بداية الستينات مع تتابع استقلال المستعمرات السابقة ، أخيرا إلى نظرة التوجس والحيطة من كل ما يمت إلى الإسلام بصلة منذ عشرية السبعينات إلى ما بعد هجمات الحادي عشرمن سبتمبر.
إن إعلامية الإسلام médiatization قد عرفت تطورها في سياق إعلام تلفزي موسوم بحدة تنافسية بين مختلف القنوات العملاقة ما نتج عنه حتما اللجوء إلى مختلف الوسائل الكلاسيكية الباعثة على الفرجة الإعلامية . وهناك عامل أساسي وخطيرأيضا يتمثل في غياب محررين متخصصين يستندون على المعلومة الوازنة والمؤثرة في المشاهد ، وباعتبارهؤلاء الصحفيين كانوا غيرمهيئين وفاقدي للوسائل القمينة بالإلمام بموضوعات وقضايا الإسلام في الغرب فقد إنساقوا وبشكل تلقائي خلف رؤية ذاتيتهم الضيقة ومخيالهم الذي خصبته نظرة دونية للشرق الإسلامي ، متناسين الحقبة الكولونيالية التي خلقت حقدا لم يخمد.
ونلاحظ من جهة أخرى ظهورمفاهيم جديدة في المعجم الصحفي الفرنسي على الخصوص . فقبل سنة 1989 لم نكن نسمع بمفاهيم من قبيل (الجالية المسلمة) أو(مسلموا فرنسا) في التقاريرالصحفية ، وقبل هذا ومنذ بداية الستينات بدأت الإشارة إلى وجود يد عاملة خارجية مسلمة وعمال خارجيون مهاجرون وشباب ذوي أصول مهاجرة ومهاجرون (BEURS ) وفرنسيون مسلمون .
إن كل الخطابات الإعلامية وكل التمظهرات السمعية البصرية لم تحقق تجانسيتها وتطابقاتها في الطرح والتصورمع الظاهرة حيث هناك فروق ملحوظة تختلف وفق الحصة الزمنية المقررة للنشرة الإخبارية. وكما هومعلوم فتموقع البرنامج التلفزي في خارطة شبكة البرامج يلعب دورا حاسما في إشعاعه وترويجه ، وهكذا يلاحظ المشاهد أنه كلما دنا من حصة الذروة في البث كلما كانت معالجة موضوع ما حول الإسلام معالجة ضيقة متسرعة ومحصورة في ثنائية (المسلم الطيب) أو(المسلم السيء) . إن تفكيرالأطقم التلفزية في تحقيق أعلى أرقام المشاهدة بالإضافة إلى ضرورة الإلتزام بتحديد آجال الإنتاج التي صارت أقصرمما كانت عليه ، كل هذه العوامل قد كانت من بين الأسباب الرئيسة في خلق صعوبة التخفف من الرؤى الضيقة السابقة والتخلص من الأحكام الجاهزة حول الإسلام ... في المقابل كلما إبتعدنا عن نواة البث ولحظة الذروة كلما تخلصنا من الصورة النمطية والتبسيطية . ورغم هذه المفارقات هناك بعض الخطوط المشتركة المستمرة (CONTINUUM) قد تحفزنا على الإعتقاد على أن هناك نظرة متفردة ومخصوصة للإنتاج التلفزي الفرنسي في مقاربته لإشكالية المسلمين القاطنين بفرنسا مقارنة مع باقي الأقليات الدينية الأخرى التي تقدمها البرامج التلفزية .
الفرضية الثقافية
إن الأهمية التي تعطى لثقافات الجذورتختلف حسب المجموعات الإثنية المصورة ... فهي مسألة ضافية بالنسبة للأوروبيين ، وهي أساسية بالنسبة للأفارقة والآسيويين و أخيرا هي حاسمة بالنسبة للجاليات المغاربية المسلمة .
تبدو بعض الثقافات الوافدة أكثرجاذبية وفتنة وذات إضافات إيجابية على مكونات مجتمعات الإستقبال ، كما أنها تشكل عنصرا أساسيا في صيرورة الإندماج وسحرا فاتنا للتقاليد لاتستطيع أن تخفيه عيون الصحفيين مثل الثقافة الإيبيرية (الإسبانية والبرتغالية ) أوثقافة الهنود الحمروثقافات أمريكا اللاتينية ..إلخ في المقابل فثقافات الجالية العربية المسلمة في الغرب وفي أغلب الحالات تبدو كما لوأنها عبء وثقل يجب التخلص منه تارة بالترغيب وتارة أخرى بالتهديد العنصري . إن الصحافة الفرنسية تقع تحت تأثيرالعلاقة الإزدواجية بين جاذبية ثقافة الآخر المسلم وبين النفورمنها ، فالبنسبة لخيوط الجاذبية الخفية ، فهي تتعلق أساسا بصورة المرأة العربية المهاجرة التي تجسد في تصورالإعلام الفرنسي شكلا من أشكال الفولكلورالذي يجمع بين الإيغزوتيزما والنكهات المطبخية ولمسات الماكياج الطبيعي والزي التقليدي، ومن جانب آخرهناك نفورا إتجاه الرجال الذين يمثلون رموزالغلظة والتعصب الديني . في الحقيقة إن الأشخاص الذين يتم تصويرهم هم من أصول جزائرية في الغالب بمعنى أن الأفلام الوثائقية التي تهتم بالإسلام المهجري هي أفلام تدورحول نمط جزائري يعمم على كل المهاجرين المسلمين ، إلى درجة أن هذه الجالية الجزائرية وبحضورها القوي على الشاشة الفرنسية قد أسهمت في إقصاء باقي المكونات التي يتألف منها فسيفساء الهجرة . إن الجالية الجزائرية المسلمة هي في بؤرة كل الإهتمامات منذ أواسط السبعينات حيث باتت إشكالية الهجرة من ضمن الرهانات السياسية في فرنسا ، فمنذ هذه الحقبة أصبحت الجالية الجزائرية هي الصورة النمطية للمهاجرين بصفة عامة .
وإلى حدود الثمانينات كانت العلاقة بين الفرنسيين والجزائريين بسبب الإرث التاريخي الدموي علاقة صراع واستحالة التوافق وبعد بداية الثمانينات 83 و84 وهي الفترة التي سوف يكتشف فيها طرفا الصراع علاقة ود وحب وصداقة وحسن جواروتعايش سلمي ما أفصح أيضا عن إمكانية إختلاط مجتمعي ...
إن مقولة (فرنسا / التسامح) قد طفحت على الساحة الإعلامية خصوصا على صدرصفحات المجلات والبرامج الإجتماعية التي يتم بثها غالبا بعد فترة الزوال أوفي الحصة المسائية الثانية . ومن أشهر الروبورتاجات كان للمجلة التلفزية(LA vie en FRANCE) الذي كانت تبثه قناة F3 والذي ينتجه فيليب ألفونسي وباتريك بيسووهو برنامج قد دأب على تكرارنفس البورتريهات عن وطن فرنسي يتوزع بين تصاعد الجبهة الوطنية وبزوغ المجتمع المتعدد الثقافات . وهناك إعتقاد راسخ لدى الفرنسيين والأوروبيين عموما هو أن الإندماج يستعصي على المسلمين المغاربيين مقارنة مع الأقليات المهاجرة الأخرى ، وجل الصحفيين يعزون السبب الرئيس وبصفة ممنهجة إلى الفرق الثقافي باعتباره فرضية للإندماج والمثال الأقوى رمزية هنا هوالطريقة التي يقدم بها الصحفيون أقلية مسلمي فرنسا على شاشة التلفزة ، فمنذ أول روبورتاج أعد عن الجالية المسلمة وبث في يونيه 1963 واهتم بأقدم المهاجرين وبآبائهم الذي كانوا يزهون بالنياشين وميداليات الحرب العالمية الثانية في صفوف الجيش الفرنسي ، منذ ذلك التاريخ لم يتمكن هؤلاء المهاجرين من التطبيع مع واقعهم الفرنسي ... إن نظرة الصحفيين العاملين ضمن مكتب الإذاعة والتلفزة الفرنسية قد وسمتها ثلاث براديغمات يمكن تلخيصها كالآتي :
لم يكن من السهل على أي فرد أن يصبح مواطنا فرنسيا ، قد تتحقق هذه الرغبة مع مرورالزمن وهذا أمريكتسب عبرمسارضيق وشاق من أجل الوصول إلى أنوارالحضارة الفرنسية . إن مثال ذاك الإحتواء الذي وجد مشروعيته في الإحتلالات الفرنسية في إفريقيا والشرق وعبرالعالم قد تحول اليوم إلى أذات لتبريرفرض البزة من أجل الحصول على المواطنة الكاملة . ونظام التأطيرالعسكري العجيب كما أشار إلى ذلك (جون كلود برانغوي) في إحدى روبورتاجات برنامج ( خمس أعمدة رئيسية) هو من بين العقبات التي وقفت ومازالت تقف في وجه الإندماج ، لذا يجب البحث عنها في طبيعة الشعوب المهاجرة وفي سرمقاومتها ضد كل مظاهر التمدن الأوروبي . يبدوأنه كان من الصعب إحتواء أولئك المهاجرين بسبب بعض القيود الثقافية والدينية . إن ما كان يشغل إهتمام الصحفيين الفرنسيين ليس هوإنغلاق المهاجرين المسلمين في غيتوهات الخجل بقدرما كانت تشغلهم القدرة على دفعهم للتكيف مع نموذج الحياة الإجتماعية الفرنسية ، فعزلة المرأة المسلمة التي غالبا ما تعزى للعامل الديني تمثل في رأي الصحفيين أولى وسائل مقاومة الإندماج ، وانغلاقها داخل هذه الغيتوهات بعيدا عن عيون الآخروفي إقامات محروسة ومطوقة بسلطة الرجل ، بينما لاتطرح عائلات الأقليات الأخرى مثل هذا العائق . إن قدماء المهاجرين المسلمين المغاربيين في فرنسا لم ينظرإليهم باعتبارهم فرنسيون جدد ، إنهم في رأي الصحفيين جاليات مسلمة وسوف تظل مسلمة ، وهم ـ الصحفيين ـ في تقاريرهم وروبورتاجاتهم يميزون دائما بين (الآخر) و(الأنا) وهم أيضا لايترددون في توزيع شهادات الإحتواء (الإندماج) وذلك بالحديث عن أطفال مهيئين ومستعدين ليصبحوا مواطنين فرنسيين في تعارض واضح مع آباء غيرمستعدين للإندماج الكلي بطبيعة موروثهم الديني والثقافي والإجتماعي ...
لقد تم النظرإلى التقاليد دائما باعتبارها معوقا وعلامة رفض جلية لقيم بلدان الإستقبال ، هذا الأمر تمت ملاحظته في كل الروبورتاجات والإستجوابات التي أنجزها الصحفيون في هذا الإطار.
ويلاحظ الصحفيون أن المهاجرالمسلم على شاشة التلفزة لايبدو بمزاج متكامل أو بمزاج المواطن المندمج في صخب الشارع الفرنسي بل أكثرمن هذا فهوفي بيته يبدوأشد حرصا على تقاليده أكثرمن تواجده خارج البيت .
يقول أحد الصحفيين : كان من الأولى أن نفكرفي كيفية إدماج هؤلاء المهاجرين المسلمين بواسطة آليات التلفزة والشاشة . ونفكركذلك في كيفية جعل قطرة دم أهرقت من أجل الإستقلال لها نفس الرمزية مثل قطرة عرق تهرق في معمل فرنسي . إن شهادات الإعتراف بالإندماج لاتوزع بشكل مجاني فالمهاجرالمسلم والمندمج كليا على شاشة التلفزة هوشخص قد تم إستيعابه واحتواؤه تماما ولعل أقوى مثال على الإندماج هي صورة المرأة المسلمة المهاجرة وهي تتغنج في زي عصري أوروبي (سروال الجينز والتي شورت ) وبتفكيرأدنى مستوى مما سبق نقول أن إندماج الفتيات لن يكون فعالا إلامن خلال صراع وقطيعة مع الأب وعبرالقفزعلى قيم الأبوة . وفي رأي كل الصحافة الفرنسية يبدو ان هذا هوالشرط الذي يتحقق به الإندماج وهكذا يتضح أن المهاجرين بصدد خيارين أحلاهما مر.
إن نزوع الصحفيين الممنهج إلى تسريب وضع وواقع المرأة المغاربية المسلمة أثناء التحقيق الصحفي يعتبربحق قضية مزعجة ، فهل يتعلق الأمربرد الإعتبارإلى المرأة من أجل إنصافها من هيمنة الرجل ؟ والتصريحات التراجيدية والدراماتيكية للنساء والفتيات أليست براهين وشهادات تؤكد التعارض الكامل والراديكالي بين الثقافة العربية المسلمة والقيم المصرح بها من طرف المجتمع الفرنسي المتمدن ، الديموقراطي واللائيكي . إن التركيزعلى دورالنساء يمكن أن يساعد على أن يجعل من الإندماج فاعلاإيجابيا مع التحلل من بعض الإعتقادات المتخلفة التي تقف متراسا صعبا في وجه تطورالمرأة . ويرى البعض أن تواري هذه المعتقدات المتخلفة لهو من أهم الشروط الإيجابية في صيرورة الإندماج بمعنى أن النساء المهاجرات تعتبرن واجهة أساسية لمعركة رمزية في متخيل بلد الإستقبال وأن معظم الصحفيين في الإعلام التلفزي الفرنسي على إختلاف درجاتهم وتوجهاتهم مطوقون بتصورثابت لديهم عن صورة (السكان المسلمون الأصليون) تلك الصورة التي تتبدى أحيانا أخرى على هيأة شبح (المهاجر) الذي نهضت وتنهض حضارته على تراكم معرفي وعلمي مبنين على خلفية التدين . ولعل نظرة محاصرة بهذا الإعتقاد تجعل الصحفيين ينظرون إلى شرط نهوض المرأة المهاجرة والنساء العربيات المسلمات في فرنسا عموما يرتبط بضرورة السيطرة على التطورات المحيطة بهن ... ماهو إذن دورالأمهات هنا والذي ظل دورا نمطيا ، الأمهات اللواتي تظهرن على الشاشة دائما صموتات ، منصاعات ، منعزلات هذا بالإضافة إلى أن هناك العديد من الدراسات السوسيولوجية التي تشيرإلى أن ظروف عمل الآباء المرهقة بالعديد من الساعات والساعات الإضافية قد أسهم إلى حد ما في تراجع دورهم بالبيت وفقدانهم الكثيرمن السيطرة الأبوية والوصاية المعهودة على أزواجهم اللواتي تصبحن هن المتحكمات ، الآمرات والناهيات في البيت .
إن حياة العائلة المسلمة بأرض المهجرقد تطرح توزيعا جديدا للأدوارعكس ماجرت به التقاليد في الوطن الأم . هناك العديد من الدراسات التي أبانت عن تقدم مضطرد في مجال العمل المهني عند النساء المسلمات وهذا أمر حدث منذ السبعينات . إن إعادة هيكلة القطاع الصناعي والتي همت أساسا فئات العمال المتخصصين المهاجرين قد أثربشكل واضح على إدماج المرأة العربية في قطاع الشغل وبوتيرة سريعة . ففي 1982 كانت 35 بالمئة من النساء الجزائريات المهاجرات والبالغات أكثرمن 25 سنة قد حصلن على نشاط مهني مأجورهذا عدا أولائك اللواتي تقمن بأعمال داخل البيوت الفرنسية كحضانات للأطفال .
يجب إذن أن نتساءل حول هذا التباين بين صورنمطية لتمثيلية متحجرة وبين تمثيلية دينامكية . لماذا إذن بقدرما يبدونموذج العائلة المسلمة المغاربية على الخصوص في خضم الأزمة وتحت وطأة كثرة الأولاد بقدرما هناك العديد من الروبورتاجات التلفزية التي تستمرفي جعل دورالمرأة المسلمة ينحصرفي دور الخادمة في البيت المنصاعة والخنوعة والتي يتم تصويرها في البرامج الوثائقية في صورقريبة من الفلكلوروهي على هيأة إعداد وجبة الكسكس أوإعداد صينية الشاي . يقينا أن هذه الصورذات أبعاد جمالية وفلكلورية لكنها تخفي واقعا معقدا أكثرفأكثر... إن هذه الفجوة بين البرامج التلفزية المعروضة وواقع الهجرة ليس بالأمرالهين أوالعابر... لماذا ؟ لأن صورة المرأة النمطية هي الصورة المريحة التي تضمن بعضا من التوافق البصري بين النظرة المقدمة على الشاشة والنظرة المتوارثة من الماضي . وأخيرا إن كل عنصريقوم بدوره التقليدي المنوط به ، فالمرأة المسلمة في ديارالغربة تبدوأحيانا مثلها مثل آنية من آنيات الزينة لاتصلح إلا لتأثيث ديكورالبيت والرجل دائما هو الرجل العربي المسلم المستبد والمدجج بالتقاليد وبثقافة ظلامية متشددة .!!
هناك أحيانا طمأنة معنوية مقابل حذرسياسي ... إن إهتمام الصحافة الفرنسية بالحريم أوبالسجن المنزلي للنساء المسلمات هي من دون شك في جانب آخرتقصي دورهن الأساسي في المجتمع العربي المسلم .
إن إستنكارالتشبث بالثقافة والروابط العقائدية هو مايطفح على الشاشة الفرنسية كما يمكن التأكيد على أن تحلل بلدان الإستقبال الغربية من مسؤولياتها كما لوأن إشكالية إندماج المرأة المسلمة هي مسألة تقاليد ودين وليست أمرا يتعلق بالسياسات الإجتماعية .منذ أحداث الشغب سنة 1990 التي شهدتها منطقة (فول أون فيلان) إنحصرمشكل الهجرة في إستكشاف معاناة سكان الضواحي والتوجس من جانب آخرمن تصاعد المد الإسلامي .
يبدو المشهد الإعلامي الإسلامي في فرنسا منقسما إلى معسكرين : المعسكرالأصولي من جهة والمعسكرالمعتدل من جهة أخرى . إن هيأة التحريرفي قناة TF1 وقناة f2 تعملان دائما على التفريق بين الإسلامويين والمسلمين . فالصحافي (توماس ديلتومب) الذي قام برصد التقارير الصحفية في نشرات أخبار الثامنة والمتمحورة حول الإسلام قد أشارإلى أن معجم الصحافة الفرنسية في هذه النشرات لايشد عن ترديد التيارين الإسلاميين السابقين . فالأصوليون المسلمون في رأي هؤلاء الصحفيين لهم ما يميزهم بشكل واضح ... إنهم غرباء ، أقليات تحاول كسب المسلمين المعتدلين مع قضاياهم فيما يرى الصحفيون في الفئة الثانية جماعة معتدلة ومسالمة وذات نزوع إندماجي توافقي.
تجنب هذا الخلط واللبس بين التوجهين معا بات هو اللازمة التي ترددها كل أقسام التحريرأي التمييزبين المسلمين المهاجرين (الأخيارالطيبون) والمسلمين (الحاقدون والكارهون) وهوعموما معجم مفاهيمي صارمهيمنا على كل الروبورتاجات . إن هذا التمييزيقول الصحافي (توماس ديلتومب) قد يصبح أذاة فقط لتذكيرالمشاهدين بأن أغلب المسلمين في بقاع أوروبا هم ضحايا تيارات إسلاموية وليست إسلامية . هناك تناقض بين بعض الروبورتاجات التي تجعل من الأصوليين أقلية وبين روبورتاجات أخرى خصوصا في نشرات الأخباروالتي تهتم بالإسلام في فرنسا مقتصرة على هدف واحد هوإثارة إشكالية تصاعد الأصولية . المسلمون في الغالب معتدلون أما تلك الفئة التي يشارإليها في نشرات الأخبارفهم فئة من الإسلامويين المتشددين ، المتطرفين . ولأجل التخلص من هذه النظرة الإزدواجية في المشهد الإعلامي الفرنسي يجب الإبتعاد ما أمكن عن التركيزعلى قدسية (البرايم تايم ) وواجهته اللماعة في نشرات الثامنة مساءا والإلتفات ما أمكن إلى مخازن البرمجة خصوصا في مكامن أرشيفات الأفلام الوثائقية حيث تتراكم كنوز خبيئة وجواهرأفلام وثائقية نادرة وحيث هناك كذلك أعمال تلفزية تتمثل (الآخر) من دون ان تجرده من خصوصيته وصورته الأصلية ، ومن دون تشويه صورته، بل تلجؤ إلى الكشف عن تناقضاته وثغراته ونقائصه الحميمة . هناك أفلام وثائقية إستطاعت أن تستشرف تطورات مستقبل الجالية المسلمة في الغرب وفي فرنسا على الخصوص مثل الفيلم الوثائقي الذي أنجزه ( غي دوموف) والموسوم ب(جزائريوباريس) والذي تم بثه سنة 1966 في القناة الثانية الفرنسية التابعة وقتئذ لمكتب ORTF حيث قام المخرج بتثبيت كاميراته في ضاحية (سان وين ) وتكشف للفرنسيين بعد 17 سنة من إنجازهذا الوثائقي الأسباب الحقيقية لمعاناة أطفال المهاجرين المسلمين وإشكالات هويتهم الإسلامية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق