الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أبريل 18، 2025

صدور رواية (وداعا أرض الرياح والنار) للكاتب عبده حقي


أصدر الكاتب المغربي عبده حقي روايته الرابعة موسومة ب( وداعا أرياح والنار) ناهز عدد صفحاتها 580 صفحة ومما جاء في مقدمة الرواية :

إن كتابة الرواية تشكل مغامرة دائمة، ولكن عندما يجرؤ المرء على كسر القالب السردي التقليدي، تصبح الرحلة أكثر جرأة. إن روايتي الأخيرة، وداعًا يا أرض الريح والنار، ليست مجرد قصة أخرى - إنها تجربة في الكيمياء الأدبية، واستكشاف للتفاعل اللامحدود بين السرد والشعر، وبين الواقع والحلم. إنها رواية لا تقتصر على جمود السرد التقليدي بل تسعى بدلاً من ذلك إلى إذابة الحدود، وتدعو القارئ إلى رحلة مفتوحة حيث المعنى سائل والتفسير بلا حدود.

هذا الكتاب، في جوهره، هو سجل لرحلة - جسدية وميتافيزيقية. إنه يتبع ملحمة شاعر مغربي ورفيقه أثناء مغامرتهما في جبال القوقاز، وعبور المناظر الطبيعية الخلابة في قبالا وقوبا ومدينة باكو الساحرة. تصبح أذربيجان، الأرض التي يتشابك فيها الشرق والغرب في رقصة دائمة، الخلفية لرحلة ليست جغرافية فحسب بل وجودية عميقة. الشاعر ورفيقه ليسا مجرد مسافرين في أرض أجنبية؛ بل إنهما باحثان عن المعنى، متجولان ضائعان في متاهة أفكارهما وذكرياتهما ورؤاهما الشعرية.

ما يميز هذه الرواية هو احتضانها للتجريب السريالي. لا يتبع السرد التقدم الخطي للقصص التقليدية؛ بل يتدفق بدلاً من ذلك في موجات، ويتحرك بين الماضي والحاضر، بين الحلم واليقظة، بين الواقع والوهم. تتحول المشاهد كما لو كانت تحملها الريح، وتشتعل الكلمات مثل النار، وتستهلك الحدود التي تفصل الشعر عن النثر. هذه رواية حيث يكون القارئ مشاركًا مثل الكاتب، حيث لا يتم إملاء المعنى بل اكتشافه، حيث تمتد متعة النص إلى ما هو أبعد من الجملة الأخيرة، تاركة أصداء تبقى في العقل.

غالبًا ما كانت السريالية في الأدب العربي تقتصر على الأعمال القصيرة أو الشذرات الشعرية، لكن *وداعًا، أرض الريح والنار* تجرؤ على تمديد هذه التجربة إلى اتساع الرواية. تدعو الرواية القارئ إلى فقدان نفسه في فضاء أدبي حيث لا يكون العقلانية هي الدليل الأساسي، حيث تسبق الصور والاستعارات الحبكة، وحيث تصبح اللغة نفسها شخصية، وقوة تشكل الواقع وتعيد تشكيله. تتحدى الرواية القارئ للتخلي عن حاجته إلى السيطرة، واحتضان الغموض الذي تقدمه الحياة نفسها، وإيجاد الجمال في ما لم يُحل.

كان كتابة هذه الرواية مبهجة ومرعبة في الوقت نفسه. كان التخلي عن الهياكل التقليدية التي حددت الرواية العربية لعقود من الزمان مخاطرة، لكنها كانت ضرورية. أردت أن أخلق نصًا يتنفس، ويتحرك بشكل غير متوقع، ويفاجئني حتى كمؤلف له. في بعض المقاطع، تحلق اللغة، وتحلق في أحلام شعرية تطمس التمييز بين الشخصي والعالمي. وفي مقاطع أخرى، يصبح النثر مجزأ، يعكس تفكك الذاكرة والطريقة التي يتنقل بها الوعي البشري عبر الزمان والمكان.

لقد وفرت المناظر الطبيعية في أذربيجان، بهالتها الصوفية، الإطار المثالي لمثل هذه التجربة الأدبية. فالرياح التي تعوي عبر جبال القوقاز، وألسنة اللهب المتوهجة لنيران باكو الأبدية، والهمسات القديمة التي يحملها بحر قزوين ــ كل هذه العناصر تتسرب إلى الرواية، وتشكل إيقاعها ونبرتها. ولا تصبح رحلة الشاعر ورفيقه مجرد استكشاف لأرض بعيدة، بل تأملاً في المنفى، والشوق، والبحث الأبدي عن المعنى.

في جوهرها، هذه الرواية هي قصيدة للخيال اللامحدود. إنها رسالة حب لقدرة الأدب على تجاوز الحدود، ودمج الثقافات، وتحدي القيود. والتفاعل بين الشعر والنثر في هذا العمل ليس مجرد اختيار أسلوبي؛ بل هو إعلان عن الحرية الفنية، ورفض الانحصار في نمط مفرد من التعبير. والرواية لا تدور حول الإجابة على الأسئلة بل حول طرحها. ولا تدور حول حل النزاعات بل حول تسليط الضوء عليها بطرق جديدة وغير متوقعة.

قد يجد البعض أن غياب الحبكة التقليدية أمر مربك. وقد يرى آخرون أن التذبذب بين الشعر والسرد أمر مزعج. ولكن بالنسبة لأولئك الذين هم على استعداد للاستسلام للنص، والسماح لأنفسهم بالانجراف وراء إيقاعه بدلاً من قيادته بواسطة بنية جامدة، فإن التجربة هي متعة أدبية خالصة. إنها رواية لا تنتهي عند قلب الصفحة الأخيرة - فهي تظل باقية، وتتردد صداها، وتطالب بإعادة النظر فيها.

مع *وداعًا، أرض الريح والنار*، آمل أن أفتح بابًا جديدًا في الأدب العربي - باب يقود إلى أراضٍ مجهولة من السرد، حيث تتحرر اللغة، حيث لا يكون المعنى ثابتًا بل سائلاً، وحيث يصبح فعل القراءة مغامرة في حد ذاته. هذه ليست مجرد رواية؛ إنها دعوة إلى رحلة بلا خرائط، وداعًا لليقين، وغوصًا في المجهول. وبالنسبة لأولئك الذين هم على استعداد للانطلاق في هذه الرحلة، أعدكم بأن الريح والنار سوف يرشدان الطريق.

رابط الرواية 



0 التعليقات: