الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، يوليو 16، 2025

من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقات المتجددة في الصحراء المغربية : عبده حقي


بين الكثبان المترامية والفضاءات المفتوحة الممتدة على امتداد الأفق، تشهد الصحراء المغربية تحوّلاً غير مسبوق، لا بوصفها مجالاً للنزاع الجيوسياسي فحسب، بل باعتبارها أرضًا خصبة لرهانات تنموية كبرى تستشرف المستقبل. ففي وقت تتكثف فيه الجهود الإقليمية والدولية نحو الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والبنية التحتية الرقمية، يأتي الإعلان عن مشاريع كبرى في مدن الصحراء، ليؤكد أن المغرب لا يدير المنطقة بمنطق السيطرة فقط، بل بمنطق السيادة التنموية المتكاملة.

في هذا السياق، أعلنت المملكة عن مشروع طموح لإنشاء مركز بيانات فائق القدرة مخصص للذكاء الاصطناعي بقدرة 500 ميغاواط، في خطوة تؤسس لاقتصاد معرفي في قلب الصحراء المغربية. هذا المركز، الذي سيُقام على أرض العيون أو الداخلة، سيكون من بين الأكبر من نوعه في إفريقيا، ويُرتقب أن يشكل نقطة تحول في البنية التحتية الرقمية للمغرب، ويعزز مكانته كفاعل رقمي صاعد على مستوى القارة.

الرهان هنا ليس تقنيًا فقط، بل سياسي ورمزي كذلك. فبناء مركز بيانات بهذا الحجم في منطقة يُروّج لها أعداء الوحدة الترابية على أنها "متنازع عليها"، هو إعلان واضح بأن التنمية خيار لا رجعة فيه، وأن المغرب لا يكتفي بالدفاع عن أقاليمه بل يُعيد تشكيل معالمها وفق مقاربات اقتصادية مستدامة تتجاوز لغة الخطابات إلى لغة المشاريع.

في السياق نفسه، كشفت تقارير إعلامية أن شركة إماراتية، بالتعاون مع فاعلين مغاربة من بينهم شركة YNNA، تستعد لإطلاق مشروع مزرعة رياح كبرى بالصحراء المغربية خلال العام الجاري. المشروع، الذي سيُقام على مشارف مدينة العيون، يندرج ضمن استراتيجية المغرب لتعزيز مكانته كقوة إقليمية في مجال الطاقات المتجددة، خاصة أن المملكة التزمت في السنوات الأخيرة برفع نسبة مساهمة الطاقات النظيفة في مزيجها الطاقي.

هذا التداخل بين البعد البيئي والتنموي في المشاريع المقترحة، يعبّر عن تصور استراتيجي مغاير لطريقة التعامل مع الأقاليم الجنوبية. فالصحراء هنا لا تُختزل في بعدها الرملي أو الرمزي، بل تتحوّل إلى رافعة اقتصادية وإيكولوجية في آنٍ واحد، ضمن رؤية وطنية ترتكز على الاستثمار الذكي في الموارد الطبيعية والتكنولوجية.

وليس من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه المشاريع مع انفتاح متزايد على الشراكات الدولية، خصوصًا من دول الخليج التي ترى في الصحراء المغربية فضاءً واعدًا للاستثمار الآمن والمستقر. وهو ما يُكرّس، مرة أخرى، موقع المغرب كشريك موثوق به في محيطه العربي والإفريقي.

إن هذه الدينامية التنموية تعكس تماسك رؤية المغرب في التعامل مع ملف الصحراء، بعيدًا عن الانفعالات الدبلوماسية أو الخطابات الشعبوية. فبين مركز بيانات يرنو إلى الريادة الرقمية، ومزرعة رياح تسير نحو المستقبل الأخضر، تتجسد السيادة المغربية لا على الورق أو في أروقة الأمم المتحدة، بل على الأرض، حيث تُبنى المشاريع وتُخلق فرص الشغل ويتم تخطيط المدن.

وبذلك، يُعيد المغرب صياغة معادلة الصحراء، لا باعتبارها منطقة عبء، بل كمجال أمل، واستثمار، وابتكار. وهو ما يجعل من هذه المشاريع أكثر من مجرد أوراش اقتصادية، بل رسائل سياسية وتنموية تُكتب بلغة المستقبل، على رمالٍ كانت بالأمس مسرحًا للنزاع، وتغدو اليوم مسرحًا للنهوض.


0 التعليقات: