في عالم تتزاحم فيه الأزمات، ويعلو فيه ضجيج الحروب والأوبئة، ويشتد فيه الخوف من المجهول، يظل الأمل ذلك الخيط الرفيع الذي يشدنا إلى الحياة. ومن هذا المعنى العميق، خصصت الأمم المتحدة الثاني عشر من يوليو من كل عام ليكون اليوم الدولي للأمل، احتفاءً بقوة هذا الشعور الإنساني وقدرته على إحداث التغيير.
خلفية اليوم الدولي للأمل
تم إطلاق هذا اليوم رسميًا بموجب إعلان من الأمم المتحدة، استنادًا إلى مبادرة منظمات مدنية وإنسانية تسعى إلى تعزيز ثقافة الأمل في السياسات العالمية والمجتمعات المحلية، لا سيما في سياقات الفقر، والصراعات، وتغير المناخ، والانقسامات الاجتماعية. وقد أُقر اليوم لأول مرة في 12 يوليو 2022، بدعم من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أكدت في بيانها أن "الأمل ليس ترفًا، بل ضرورة نفسية واجتماعية من أجل الاستدامة البشرية".
هذا اليوم مستوحى من قصص أفراد وجماعات واجهوا محناً كبرى – من اللاجئين إلى مرضى السرطان، ومن الناجين من الكوارث إلى دعاة العدالة الاجتماعية – ولكنهم تمسكوا بالأمل، لا باعتباره وهمًا، بل كموقف نضالي، ومصدرًا للقوة الداخلية.
ماذا يعني أن نحتفي بالأمل؟
الأمل ليس مجرد شعور عابر، بل قوة دافعة تُمكّن الإنسان من مقاومة الانكسار، ومن تجاوز الألم والمحنة. إنه ذلك الشعاع الذي يطلّ من نوافذ النفوس المنهكة، فيوقظ فيها توقًا للتجدد والاستمرار. كما أن الأمل ليس عكس اليأس فحسب، بل هو فعل مقاومة، وجذر من جذور التغيير، كما يقول الفيلسوف الألماني إرنست بلوخ في كتابه مبدأ الأمل: "الأمل الحقيقي هو ذاك الذي ينطوي على وعي بالمخاطر، لكنه يصر على الفعل رغم كل شيء".
لذلك، فإن اليوم الدولي للأمل لا يقتصر على التعبير العاطفي، بل يشجع المؤسسات التعليمية، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، على غرس ثقافة الأمل من خلال التعليم، والفن، والحوار، والسياسات التي تراعي كرامة الإنسان.
الأمل في السياق العربي والعالمي
في المجتمعات التي تمر بأزمات طويلة الأمد، كالعالم العربي، يصبح الأمل قيمة سياسية وثقافية لا تقل أهمية عن الحرية أو العدالة. في فلسطين، وسوريا، واليمن، والسودان، وأماكن كثيرة من عالم الجنوب، هناك أناس لا يزالون يزرعون بذورًا صغيرة في أرض منهكة، يؤمنون أن التغيير ممكن، وأن الحياة تستحق أن تُعاش رغم العتمة.
لقد عبّر الأدب العربي منذ الجاهلية إلى يومنا هذا عن الأمل بأوجهه المختلفة، من شعر المتنبي الذي كان يرى في العزيمة أملًا متجسدًا، إلى قصائد محمود درويش التي جعلت من الأمل وطنًا متنقلاً.
كيف نُحيي هذا اليوم؟
يُدعى الأفراد والمؤسسات في اليوم الدولي للأمل إلى:
-
مشاركة قصص ملهمة على وسائل التواصل الاجتماعي عن الصمود والإيجابية.
-
تنظيم ورش عمل للأطفال والمراهقين لتعليمهم فنون التفكير الإيجابي.
-
دعم المبادرات المجتمعية الصغيرة التي تبث روح الأمل في المناطق المنكوبة أو المهمشة.
-
تكريم شخصيات محلية أو إقليمية قدمت نماذج مشرفة في مجالات الصبر والمثابرة والابتكار رغم الصعاب.
-
التذكير من خلال الإعلام والتعليم بأن الأمل ليس ترفًا روحيًا، بل أحد شروط النجاة والاستمرار.
رسالة اليوم
الأمل لا يلغي الألم، لكنه يعلّمه كيف ينمو من جديد. إنه قرار يومي بالبقاء، بالمضيّ قدمًا، بعد كل سقوط، وبالرؤية ما وراء الركام. وربما لا يوجد تاريخ رمزي أفضل من 12 يوليو لنقول بصوتٍ واحد: نحن لا نُراهن على المعجزات، بل على إصرار الإنسان حين يتشبث بالحياة، حتى في أقسى ظروفها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق