الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، يوليو 08، 2025

الصحراء المغربية : دحض الأباطيل في سبيل تثبيت الوحدة الوطنية: ترجمة عبده حقي


رغم تغير العالم وتحولاته المتسارعة، ما تزال بعض الأصوات المأزومة والمناهجيات الإيديولوجية الجامدة تصرّ على التشكيك في وحدة المغرب الترابية، متجاهلةً التاريخ والجغرافيا، ومتناسيةً الإرادة الحرة لسكان الصحراء المغربية، ومتعاميةً عن الحراك الدولي الذي يدعم مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب كحل واقعي، دائم وذي مصداقية، يحظى بتأييد متزايد من المجتمع الدولي. ولعل تواتر البيانات والتصريحات التي تروّج لأطروحة الانفصال، سواء صدرت عن مستشار سابق في البيت الأبيض أو عن وكالة أنباء مرتبطة بـ"الجمهورية الوهمية"، لا تعكس سوى عزلة هذه الأطروحات وبؤس خطابها أمام التحولات الجيوسياسية الجارية.

في طليعة هذه الحملات، يطلّ مجددًا «جون بولتون»، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، بخطابه المتناقض والمدفوع باعتبارات شخصية وأيديولوجية، ليهاجم السياسات الأمريكية الأخيرة تجاه قضية الصحراء. لم تعد انتقاداته تُقرأ اليوم إلا كتعبير عن رفضه الشخصي لخيارات بلاده، بعد أن اتخذت الولايات المتحدة في ديسمبر 2020 قرارًا سياديًا بالاعتراف بمغربية الصحراء، تأكيدًا لشراكتها الاستراتيجية مع المملكة المغربية، وتقديرًا لرصانة موقف الرباط ووجاهة مقترحها للحكم الذاتي. وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لتثبيت الاستقرار وتعزيز الشراكات في شمال إفريقيا، يأتي خطاب بولتون لينافس الزمن عبر مقولات متجاوزة تاريخيًا ودبلوماسيًا.

وإذا كان بعض الأطفال الصحراويين يقضون عطلتهم الصيفية في فرنسا، كما أوردت بعض الوكالات الموالية للبوليساريو، فإن ذلك لا يشرعن أبدًا لأطروحة الانفصال، ولا يمنحها أي بعد قانوني أو سياسي. إن هؤلاء الأطفال، في نهاية المطاف، هم ضحايا لتوظيف إنساني في أجندة سياسية انفصالية، في حين أن الدولة المغربية تبذل جهودًا حثيثة لدمج أقاليمها الجنوبية في مشاريع تنموية اجتماعية كبرى، توفر فرص التعليم، والصحة، والكرامة، لأبنائها في العيون والداخلة وطانطان، بعيدًا عن المتاجرة بأوضاعهم.

ولا يخرج ما يسمى بـ"تخريج دفعات جيش التحرير الشعبي الصحراوي" عن هذا السياق الرمزي البائس. إنه خطاب موجه للاستهلاك الداخلي ضمن المخيمات، وواجهة لمليشيات معزولة بلا اعتراف دولي، في الوقت الذي تعترف فيه أكثر من 90 دولة بسيادة المغرب على صحرائه، وتفتح قنصلياتها تباعًا في العيون والداخلة، في ما يشبه الاستفتاء الدولي على مغربية الصحراء.

أما المزاعم المرتبطة بـ"نهب الثروات" أو "استغلال الاستثمارات" في الأقاليم الجنوبية، فهي محاولة فجة لتشويه صورة المغرب في المحافل الدولية. الواقع أن هذه الأقاليم تشهد أوراشًا ضخمة في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والصيد البحري، والسياحة، وتُدار بشفافية وشراكة مع ساكنة المنطقة، وبإشراف المنتخبين المحليين الذين تم اختيارهم عبر صناديق الاقتراع في ظل مشاركة كثيفة، ترسخ مبدأ الديمقراطية المحلية، وتكذّب كل الادعاءات المتعلقة بـ"الاحتلال" أو "انعدام الشرعية".

وفي هذا السياق، تأتي أيضًا محاولات شيطنة التعاون المغربي-الإسرائيلي، خصوصًا من خلال اتهام شركات إسرائيلية بالتورط في التنقيب غير المشروع، في حين أن كل نشاط اقتصادي في الصحراء يخضع للقوانين المغربية والدولية، ويعود بالنفع على سكان المنطقة. وقد أقرّ بذلك تقرير الأمم المتحدة لسنة 2015، الذي أكد على ضرورة استفادة الساكنة المحلية من الأنشطة الاقتصادية، وهو ما التزمت به المملكة منذ سنوات.

أما ترديد المطالب بإجراء "استفتاء تقرير المصير"، فيتجاهل واقعًا قانونيًا وسياسيًا تجاوزه الزمن. فالأمم المتحدة نفسها، عبر مبعوثيها المتعاقبين، تخلّت عمليًا عن هذا الخيار منذ أوائل الألفية، بسبب استحالته التقنية والسياسية، وتمسّكت بمنهج "الحل السياسي التوافقي"، وهو ما يترجمه بدقة مقترح الحكم الذاتي المغربي، المدعوم من فرنسا، وإسبانيا، وألمانيا، وهولندا، والولايات المتحدة، ودول إفريقية وعربية وآسيوية عديدة.

وفي الوقت الذي يكرر فيه بعض الصحفيين الإسبان، مثل فيكتوريا غارسيا كوريرا، الشعارات القديمة حول "حق غير قابل للتصرف"، تغيب عنهم حقيقة أن هذا "الحق" ذاته، بمفهومه التقليدي، قد تمت مراجعته من قبل الأمم المتحدة في حالات النزاع الإقليمي، حينما تصطدم مفاهيم السيادة والاستقرار بإرث استعماري معقد، وأن المغرب لم يتوانَ منذ 2007 عن تقديم مبادرة سياسية تنسجم مع القانون الدولي، وتحظى بدعم مجلس الأمن في قراراته المتتالية.

في المقابل، تتصاعد موجة الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، كما تجلى في الدعم الذي عبّرت عنه كل من «ليبيريا» و»الإكوادور»، اللتين أكدتا في يوليو 2025 دعمهما الكامل للوحدة الترابية للمملكة. ولم تعد هذه المواقف استثناءً، بل قاعدة دبلوماسية جديدة، تعكس تغير ميزان القوة والخطاب في الملف، وتدفع باتجاه تسوية سلمية، تضمن كرامة الجميع، دون تساهل مع الأطروحات الانفصالية.

إن المغرب، الذي يرسّخ نفسه فاعلًا إقليميًا ملتزمًا بالاستقرار والتنمية، لن يقف مكتوف اليدين أمام حملات التشويش الممولة من عائدات النفط الجزائري ، ولن يترك المجال مفتوحًا أمام المتاجرين بالمآسي في تندوف والخرائط الوهمية في أذهان الكابرانات. بل سيواصل تعزيز شراكاته الدولية، وتطوير أقاليمه الجنوبية، وتثبيت دعائم الحكم الذاتي كحل وحيد، جدي، واقعي وذي مصداقية، من أجل مستقبلٍ مزدهر لسكان الصحراء، في كنف مغرب موحد، آمن، وسيد على كل شبر من ترابه.

0 التعليقات: