لم تعد أدوات تدوين الملاحظات مجرّد وسائط لتخزين أفكارنا أو تنظيم أعمالنا اليومية. منذ أن أطلقت جوجل منصتها NotebookLM سنة 2023، وهي تُصقل تدريجياً رؤيتها نحو تحويلها إلى مختبر معرفي شخصي قائم على الذكاء الاصطناعي. وها هي اليوم تخطو خطوة جديدة بإضافة قسم جديد بعنوان "الدفاتر المميزة"، في محاولة لتعزيز المنصة بمحتوى تفاعلي غني وموثوق تم بناؤه بالتعاون مع نخبة من المؤلفين والباحثين والمؤسسات العالمية.
ما يميّز هذه الخطوة أنها لا تأتي في سياق استعراض تقني بحت، بل تتعلق بتطوير شكل جديد من التعلم الذاتي المتفاعل. فبدلاً من الاكتفاء بملاحظات شخصية أو مقاطع مقتبسة من الإنترنت، تتيح "الدفاتر المميزة" للمستخدمين التفاعل مع محتوى محكم يستند إلى مصادر معتمدة، والاستفادة من خدمات الذكاء الاصطناعي التي تحلل وتلخّص وتحوّل المادة إلى مراجعات صوتية أو مخططات بصرية تساعد على فهم أعمق وأسرع.
وقد بدأت الفكرة تتبلور مباشرة بعد مؤتمر Google I/O 2025، حيث أنشأت الشركة أول "دفتر" رقمي مخصص لما تم الإعلان عنه خلال الحدث. ومن هناك، توسعت التجربة لتشمل موضوعات معرفية وإنسانية متنوعة، أبرزها دفتر مخصص لنصائح إطالة العمر المستند إلى كتاب Super Agers، وآخر حول تنبؤات العام 2025 مستمد من تقرير The World Ahead الذي تصدره مجلة "الإيكونوميست"، ودفتر يقدّم رؤى حياتية مستلهمة من سلسلة مقالات How to Build a Life المنشورة في "ذا أتلانتيك". ولا يغيب عن هذا المزيج دفتر أدبي يُعيد تقديم أعمال شكسبير بشكل تفاعلي بديع.
ما يستحق التأمل في هذه التجربة هو التحول في دور الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة توليد نصوص، إلى وسيط معرفي فاعل يتقاطع مع جهود بشرية تحريرية. لقد أوضحت جوجل صراحةً أن هذه الدفاتر لا تُنتَج تلقائيًا من الخوارزميات، بل تُبنى بتعاون مشترك بين خبراء معرفيين ومنظمات غير ربحية وصحفيين، ما يمنحها طابعًا بشريًا عميقًا يدعم التقنية دون أن يحلّ محلها.
ومنذ إضافة ميزة "المطالعات الصوتية" في سبتمبر 2024، والتي تسمح للمستخدم بتحويل محتواه الشخصي إلى مراجعات صوتية شبيهة بالبودكاست، شهدت NotebookLM نموًا متسارعًا في الاستخدام. ولعل هذا النجاح شجع جوجل على إطلاق دفاتر معدة مسبقًا، تعرض نموذجًا لما يجب أن تكون عليه جودة المحتوى داخل المنصة. ويبدو أن الرهان ليس فقط على الوظيفة التقنية، بل على الارتقاء بمستوى التفكير الرقمي لدى المستخدمين.
الميزة حالياً متاحة على نسخة الحواسيب المكتبية، وتعد جوجل بإطلاق المزيد من الدفاتر لاحقًا. ولكن ما تحمله هذه الخطوة في جوهرها هو سؤال أكبر: هل بدأنا ننتقل من البحث إلى المعايشة المعرفية؟ من التنقيب عن المعلومات إلى التفاعل معها داخل بيئات منظمة وذكية؟
في عالم تتداخل فيه السرعة مع السطحية، قد تكون "الدفاتر المميزة" بمثابة مقاومة معرفية هادئة، تعيدنا إلى جوهر الفهم المتأني، ولكن هذه المرة بأدوات عصرنا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق