صناعة الرأي العام من الصحافة المكتوبة إلى شبكة الإنترنت عرض : مارك ليتز ترجمة عبده حقي
بعد مرورقرنين على ظهورها ، عرفت الصحافة المكتوبة تراجعا ملحوظا إن لم نقل إنهيارا كارثيا، فيما وسائط الإتصال السمعية البصرية المهيمنة على المشهد الإعلامي ، لم تستطع من جانبها أن تحقق ذلك السجال والنقاش الجدي والهادف بسبب إكراهات متعلقة بصدمة الصورة التلفزية . إن وسائط الإتصال المتعددة بمراهنتها على ماهوكتابي وسمعي بصري وتفاعلي أصبح بإمكانها أن تسهم في خلق فضاءات للحواروالنقاش ولكن ليس باعتبارها السند الوحيد في الساحة الإعلامية .
منذ القرن الثامن عشرإلى اواسط القرن العشرين ظهرت أعداد كثيرة من الصحافة المكتوبة باعتبارها صحافة الرأي وقد راهنت منذ البداية على خلق (فضاء رأي عمومي) بمعنى خلق مكان للحواروالبوليميكا بهدف مد جسورجديدة للتحول السياسي . وقد اعتبرت وسائط الإتصال بسبب إنتشارها الواسع هي الوجه الحقيقي لهذا الرأي العام أو بالأحرى صارت الرأي العام نفسه .
يتعلق الأمرإذن بمفهوم الرأي العام .. بجزء من رأي العامة وليس كل العامة .. يتعلق الأمربالطبقة التي إنخرطت في الصراع السياسي الديموقراطي الذي عرفه القرن التاسع عشر، فيما بقي رأي الشعب هامشيا إن لم نقل مقصيا .
هذه الصحافة المكتوبة الملتزمة سوف تعرف منافسة حادة متصاعدة منذ القرن التاسع عشربسبب ظهورأشكال ميديا جديدة تركزعلى الموضوعية والعلاقة المحايدة في مقاربة الأحداث والوقائع . فقد نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية كما في أنجلترا وجه مهني إحترافي جديد : إنه الصحافي الذي سيجسد شيئا فشيئا القاعدة الرائعة والمشهورة 5W أي (what , who , when , where , why ) (ماذا ، من ، متى ، أين ، لماذا ) القاعدة التي تستند على علاقة (الموضوعية) مع مختلف الأحداث . إنه الوجه الصحافي الإحترافي الذي سوف يفرض نفسه طيلة القرن العشرين . إن مسألة الموضوعية لم تكن تشغل إهتمام صحافة القرن الثامن عشروالنصف الأول من القرن التاسع عشر. فجميعها كانت تكرس صحافة الرأي وصحافة مناقشة الأفكاروالتصورات التي ينهض عليها الفضاء العمومي . وقد إستمرت على هذا المنوال مع ظهورمؤسسات صحفية كبرى وأيضا مع تطور الخبر، ولقد وجدت هذه المؤسسات الصحفية الكبرى نفسها تحت إكراهات موضوعية حادة بدرجة طموحها في الإنتشار والرواج ، وبالتالي طرح سؤال أساسي هوكيف سترضي هذه الصحافة جميع القراء وهكذا تمت المراهنة على عامل الموضوعية الصحفية . وفي جانب آخروباستشرافها للمستقبل البعيد فقد تعاظم دورالصحافة الموضوعية مع التطورات السوسيوسياسية بمعنى آخرإهتمت بإحتواء الحوارالسياسي السلمي ونشرالثقافة العلمية ... حدث كل هذا في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية . وهكذا فالبعد الموضوعي للصحافة المكتوبة التي تم تعريفها باعتبارها فضاءا لاستثمارالفعاليات التي أكدت إنتماءها لها سوف تعرف تراجعا ملحوظا .
منذ قرن تقريبا فقدت الصحافة المكتوبة جمهورقرائها لصالح وسائط إتصال جديدة ، ففي فرنسا مثلا وبين سنوات 1939 و1945 وهي المرحلة التي عرفت إنفجارصحافة الرأي : أكثرمن 1100 صحيفة ظهرت في السوق ، وظهرت بعد الحرب العالمية الثانية أقلام متميزة ووازنة مثل (جون بول سارتر) و(ألبيركامو) و(ريمون آرون) و( بوري سفيان) و(إيمانويل مونيي) على صفحات جرائد تطمح إلى الدفاع عن آراء عظيمة جدا تعتمد على قيم جماعات سياسية واجتماعية ولكن أيضا صحافة تؤثروتعيد تشكيل الرأي العام . ورغم كل هذا فإن هذه الصحافة عرفت إنهيارا تدريجيا ، فجريدة (COMBAT ) وكانت أشهرصحيفة آنذاك ستحقق 180000 نسخة في 1945 إلى 60000 نسخة بنسبة بيع وصلت % 30 سنة 1959 وأقل من 10000 سنة 1974 ويمكن إعتبار هذه السنة سنة إعلان عن أفولها .
إن أسباب الإنهيارالنهائي لصحافة الرأي المكتوبة ، أسباب عديدة غيرأن أهمها على الإطلاق هي التطورات السوسيوسياسية وتطورالوسائط السمعية البصرية ، كما أن الإلتزام the engagement لم يعد هو قضية القضايا الصحافية المهووسة بالموضوعية والحياد ، فقد وجد الصحافي نفسه مقيدا بمحيط مادته الصحفية : (رسائل القراء ، كارت بلانش ، حوارات مع ضيوف الجريدة ..إلخ) إن هذا الفضاء الجديد قد أسهم في مد الصحافي بخبرة وتنويرتاريخيين ومنحه أيضا أفقا جديدا للمبادرة والتحليل الناضج ، غيرأن هذا لايمنع من القول أن السبب أحيانا قد يعود إلى حقائق أخرى أقل أهمية كطريقة إختياروإدارة البوليميك في حوارما وذلك بلجوء الصحافي إلى أطراف متنافسة أوتحفيزبعض الصحفيين على تبني تصريحات ومواقف أشخاص مسؤولون في الدولة لايرغبون في الظهوربأسمائهم الحقيقية للجمهور. وفي القرن العشرين وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية تراجع الصحافي تاركا دوره للمثقف لبناء وتشكيل الرأي العام إلى درجة أن المثقف قد إستفرد كثيرا بوظيفة المسؤول عن توجهات الرأي العام ، فيما إقتصردورالصحافي وقتئذ بالدرجة الأولى خلافا للماضي بدورالشاهد والملاحظ ، وإذا كان الصحافي قد إرتبط تاريخيا واجتماعيا بطبقة المثقفين فإنه قد ادارظهره إلى الجهة التي تمتلك مشروعية الكلام النقدي والملتزم من أجل أن تضفي معنى لمعلومته وخبره في دوامة الرأي العام الذي عرف إنفجارا أكثرمما مضى .
غيرأن الإلتزام سواء تعلق بالصحفي في القرن 19 وبداية القرن 20 أو التزام المثقف في القرن 20 إلتزام من خلال دلائل وبراهين ضمن مقالاته ، له نفس خصوصياته الصحفية العملية ، إن بناء رأي شخص مثله مثل بناء راي عام يمرمن دون شك عبر سرد للأحداث والأخبارولايتحقق تملكه للبرهنة إلا إذا أدرج الشخص المعلومات ضمن سيناريومحكم . إن الأعمال والأبحاث السوسيولوجية الخاصة بمجال الميديا والتي قام بها (بول لازارسفيلد ) و( إيليهو كادز) قد أبانت إلى أي درجة يقوم المتلقون بغربلة الأخباروالمعلومات وإدراجها في إطارتصورهم الإديولوجي وتمثلاتهم للواقع . ولكي يكون هذا التملك الخاص ذو فعالية ويسهم في بناء (رؤية للعالم ) لكل متلق يتوجب أيضا وجود رابط ثقة قوي بين وسائط الميديا والرأي العام والقارئ . هناك مظهران خاصين يحددان صحافة الرأي المكتوبة . غيرأن هذه الأخيرة قد توارت عن المشهد الإعلامي وظهرت سندات إعلامية جديدة ترتبط بوظائف إتصال وخطابات تهيمن على العالم . ومنذ وقتئد أصبحت المسألة تتعلق بكيفية بناء الرأي العام عندما تترك الميديا المكتوبة مكانها للميديا السمعية البصرية الإلكترونية .
يؤكد كل الأخصائيين والمحللين على أهمية خصوصية تدبيرقنوات البث والنشروهم يميزون بينها في طرق معالجتها للخبروالمعلومات . وقد ذكرنا (روجي دوبري) أن السند الإعلامي الناجح هوالذي قلما يشاهد وكثيرا ما يعتمد عليه . إن الخبر ليس هو نفسه في منظومة الصحافة المكتوبة أومنظومة الصحافة السمعية البصرية . فطقوس تأبين شخصية سياسية مشهورة مثلا تأخذ أبعادا أكثرمن الأبعاد المصورة تلفزيا ، حيث أن الصورة تضخم من حجم الحدث وتأثيره تأثيرا أكثرمن مقال مكتوب ، يضاف إلى هذا وقائع البث المباشر، الحي . هذا البث التلفزي قد لايمنح إمكانية نقاش آراء ، بل إنه يقلص من الحوارالرصين ، الجدي الذي يدور حول تيمات ذات مظاهرمثيرة وفرجوية أكثرمن إهتمامه بالرهانات السياسية .
تمكن وسائط الإتصال السمعية البصرية بالإضافة إلى ماسبق من توحيد وتبسيط الخطاب الإعلامي ، فعندما يكون الصحافي مقيدا مثلا بمدة دقيقة ونصف لبث موضوع ما فمن اللازم عليه ألا يترك المشاهد لمتاهات التأويلات المعقدة أوالوقوف موقف شك والتباس . النقاش الوحيد يندرج في غالب الأحيان في ملف بوليميكي سجالي وهذا ما يرفضه (بيير بورديو) (1930 ــ 2002 ) حينما إعتبرأن التلفزة لاتمنح أي فضاء إعلامي للنقاش والحجاج . إن للتلفزة إكراهاتها وبالتالي يجب عليها القبول بشكلها الذي يفرضه السند مع العمل على ضبطها والتحكم فيها ليس بمنطق السوسيولوجي الذي يريد فرض خطابها العلمي كما يود (بيير بورديو) وإنما بخلق إنخراطها باعتبارها سندا إعلاميا وعموميا . وخلافا لما قاله (بيير بورديو) فوسائط الإتصال ومنها التلفزة على الخصوص ليست بالضرورة آلية للضغط الرمزي ... إن التلفزة غيرقادرة على البرهنة لأنها بكل بساطة تعتمد أساسا على القول والصورة وليس على ماهو كتابي ، وبخلاف مع المرحلة التي هيمنت فيها الصحافة المكتوبة ، فإن التلفزة ومختلف وسائط الإتصال الأخرى قد شكلت اليوم النظام الذي ينضد ويؤثث فضاءنا العمومي بكل إكراهات خطابها وخصوصيتها . يجب أن نتذكركما أشار إلى ذلك (جون مارك فيري) أن (( العالم الذي نعيش فيه اليوم لم يعد في مجتمعاتنا المعاصرة هو الفضاء الوحيد لمعرفة الأشخاص والأشياء ، وبالعكس علينا أن نعرف كيف نتعامل مع الأنساق الرمزية مثلما نتعامل مع أية حقيقة أخرى .
النظام الوسائطي المعاصر ليس سوى أحد الأنظمة إلى جانب أخرى كالنظام المالي والقانوني والإداري ... الأنظمة التي تشكل حقيقة الأشخاص ، إنه يندرج ضمن الأنظمة البيداغوجية والعلمية في صلب مركب سوسيوثقافي ينادي بتعميم تواصل المجتمعات مع نفسها وفيما بينها وذلك بجعل الطريق إلى العالم الراهن وحقائقه السوسيولوجية والتاريخية والجغرافية سهلة الوصول .
أهم مستجد ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين يكمن في الأولوية التي أعطيت للصورة والصوت الشيء الذي غيرحسب رأي (جون مارك فيري) بشكل تام مستوى التلقي وظروف الإنتاج الثقافي ، ومنذ ذلك الحين بدأ الرأي العام يتزيى بمظهرجديد لهوية قائمة على خطاب غالبا ما يكون مبهما على مستوى أشكاله الرمزية والبلاغية والشفهية . طبعا إن هذا المظهرقد أسهم في جعل التواصل والمعلومة أيسروبناء قاعدة مشتركة للصورة الذهنية والتي ستوظف باعتبارها علامات للمعرفة من خلال مجموعات التلقي والإستقبال ، غيرأن هذا يتوجب أن يقوم النظام البيداغوجي والتربوي بتكوين جيل الشباب وتلقينهم آليات تفكيك رموزهذه الطرق الجديدة للإتصال . إن هذه الصورة المبثوثة في شكلها الخام لايمكنها أن تحقق علاقة تواصلية لوحدها، إنها قد تضمن شكلا من أشكال الوظيفة الثقافية الإضافية مقارنة مع التملك والإنسجام الدائم .. إنها تبقى مسؤولية النظام المدرسي والمؤسساتي وهي أخيرا تمردائما عبرسرد ومحكي قائم على ماهوكتابي .
الرأي والتعبيرعن الرأي يتغيرجذريا حسب وسيلة الميديا التي توظفه ، وعندما يسهم التقدم التكنولوجي في تغييرظروف الإرسال والتواصل فلامحالة أن التعبيرعن الرأي الخاص سيتغيرأيضا ويتطور. لقد كانت حرب الخليج أضخم مشهد فرجوي للأخبارالتلفزية المباشرة والواقعية التي خلقت علاقات جديدة مع الزمن ومع الخبرومشاهدته ، ومنذ ذلك الحين حيث كان هدف وسائط الإتصال هوإخبار الرأي العام في أسرع وقت ممكن فقد إستعيض عن هذا الهدف بهدف إستراتيجي أقوى هوترويج الخبرلحظة وقوعه . إن وسائل التقنيات الجديدة للإستقبال قد حققت وتحقق هذا المطلب ومن دون شك أن الرأي العام قد لامس هذا .. وكما قال (جون لودينار) : الحرب تشتعل في الزمن الواقعي والتاريخ يجري في الزمن الواقعي وكل خبرأومعلومة تجري في الزمن الواقعي وحينما يكون الخبرمواكبا للحدث فإلى أي حد توفرتقنيات وظروف إرساله إمكانية فهمه واستيعابه ... إن سرعة الإرسال (emergency ) تبدو هي جوهرالتحليل وتمنع كل شكل من أشكال التفكير، إذن في ظل سرعة تدفق الأخبار فمالذي سيحفزنا على الإستمرار في سجالات وبوليميك بما أن المواضيع التي تلامسها قد تم طرقها على وجه السرعة عبر وسائط إتصال سمعية ـ بصرية . يجب الوقوف إذن على هذه الصورة السلبية بحيث أن صحافة الرأي لم ولن تكون واسعة الإنتشار في عالم يسيطرعليه أخطبوط الميديا . إن صحافة الرأي لم تخاطب سوى جمهورمحدود (مثقفون ، نقابيون ، سياسيون ، جمعويون ) وهذه الفئات قد إنعطفت إلى فضاءات بديلة للحوارعلى صدر صفحات جرائد أقل إلتزاما أوعلى صدر صفحات تعتمد تحاليل سياسية موضوعاتية ( لوموند ديبلوماتيك ) مثلا أوعلى صدرصفحات جرائد جمعوية أو منتديات تفاعلية على الإنترنيت .
السؤال الذي يطرحه العديد من المحللين الإعلاميين يتعلق بمعرفة ما إذا كانت أشكال التحول هاته ناجعة وكافية إذا كان الجدل السياسي يعتمل على هامش النظام الوسائطي في الوقت الذي يحتل فيه هذا النظام مركزية هامة في النسق الإجتماعي ... بعض المحللين يردون على هذا السؤال بالنفي مشيرين إلى أن هذه الفضاءات إنما تبنى في وسائط الإعلام الجديدة ، فلماذا إذن البحث في تحديث وتجديد الصحافة المكتوبة التي لم تعد كما كانت تولد آراء ولكنها أمست تقتصرعلى حشد وجهات النظرفقط ؟ أو الطموح إلى تفجيرسجالات عبروسائط الإتصال السمعية البصرية المنظمة على المستوى التكنولوجي والأنطولوجي حسب قواعد منطقية أخرى ؟ يجب إذن البحث إلى أي مدى تستطيع بنيات وسائط الإتصال مثل الإنترنيت أن تنشئ فضاء رأي عام حيث تتلاطم أفكارأطراف متباينة . إن هذا السند الإعلامي ، المعلوماتي الجديد قد بات يثيرالعديد من الأسئلة القلقة ذات العلاقة بالرأي العام .. والإنترنيت مثله مثل الوسائط الأخرى كفضاء إفتراضي حيث الترفيه والألعاب والعروض التجارية تشكل المساحة الكبرى وكل مايمثل الحواروالسجال السياسي يعتبرهامشيا فيه، بمعنى ليس في مثل هكذا وضع ينشأ فضاء للرأي العام بالمعنى التقليدي للمفهوم . فهل تستجيب شبكة الشبكات (الإنترنيت) على الأقل على إعتراضات (جون مارك فيري) الذي تبقى الصحافة المكتوبة في رأيه هي القادرة على تشكيل رأي عام حجاجي وذي براهين .؟
لاشك أن الإنترنيت يستطيع تشكيل كل ماهو كتابي لكنه غيرقادرعلى خلق الصورة المثلى ويجب إذن الأخذ بعين الإعتبارهذا التعارض السريع بين الصورة والكتابي . إن النظام الأيقوني تتم دراسته أكثرفأكثرباعتباره شكلا لتمثل الواقع ودواعي الشك التي كان ضحيتها قد بدأت تتلاشى شيئا فشيئا ، هناك وضع جديد .. إن الإنخراط والإعتماد على سند الإنترنت قد أعاد طرح السؤال حول النظام الكلاسيكي لمهنة الصحافة وفي جانب آخر يطرح سؤال حول مصادر الخبرالتي تعتبرمن أهم رهانات مهنة الصحافة . في الحقيقة يجب الإعتراف والإقرارأن المصادرالخبرية قد تعددت .. بالإضافة إلى أن كل شخص صار بإمكانه الوصول إلى المعلومة والخبرمثله مثل أي صحافي مهني ومحترف .
فالصحافي بدأ يفتقد وظيفته الأساسية باعتباره (سيد المصدر) في قلب مجتمع التواصل والمعرفة .. وبالنسبة للعديد من المهتمين الإعلاميين فإن هذا المصدرالجديد (الإنترنيت) والإنفتاح على المصادر الخبرية ستحفزالصحافة المكتوبة على البحث عن وظيفتها ودورها المركزي في الدفاع عن الرأي واحترام الرأي الآخر. أما في رأي البعض الآخرفإن إستعمال الإنترنت قد يضعف من دورالصحافي الكلاسيكي وذلك باقتراح مقاربات جديدة ومتنوعة من خلال مصادرخارجية ومن خلال مواقع إلكترونية أخرى . غيرأنه يتيح أيضا تفاعلا أكبروأوسع مع المتلقين من الرواد الشبكيين : (فيدباك مستمرfeed-back ) بريد قراء الأون لاين ـ تقييم مستمر للمقالات المحملة بواسطة نظام للتعليقات مثلما هو الأمر بالنسبة للصحف والجرائد الكلاسيكية المنشورة على الأون لاين .
لقد خلقت (النص ـ ترابطية) (hyprtexte ) تحولا هاما في شكل التواصل الصحافي . فقد كان الخطاب الصحافي مبنيا على علاقة المرسل ، حامل المعلومة إلى المتلقي ، والتواصل المتعدد الوسائط قد خلق قطيعة مع هذا النموذج بما أنه على مستوى مونوبول المعرفة المنقولة فالتواصل المتعدد الوسائط يعمل على توسيع المعرفة العامة المشتركة . لاشك أن المشاركة والتفاعلية للأشخاص الشبكيين والتي كانت دائما مثار جدل وغموض غيرأنها قد منحت للأشخاص الشبكيين المتلقين للمعلومة الإحساس بنفس الأهمية وعلى نفس الدرجة من منتج المعلومة والخبر.
وانطلاقا من هذه الملاحظات حول وظيفة الصحافة المتعددة الوسائط نستخلص نقطتين أساسيتين : إن المرسل لم يعد سيدا وحيدا وشخصيته أصبحت لاتكتمل إلا بواسطة المتلقي ، كما أن فضاءات البث باتت تتقلص إلى درجة فقدت معها هويتها الخاصة . أما النقطة الثانية فتتعلق باللبس الذي بات يشكل عنصرالتواصل اللاتراتبي في المنتديات وفضاءات الحوار... في الحقيقة فالمكسب المراهن عليه قد تم تحقيقة بما أن كل شخص بإمكانه أن يصبح معلنا ومرسلا للمعلومة والخبر ويمكنه أن ينشئ مساره القرائي والإقرائي داخل كون إلكتروني لامحدود من المعلومات المتدفقة من مصادرمجهولة وبالتالي هذا الشخص قد يفقد هويته .
إن حركية المعلومة المستمرة من مصدرإلى آخرومن موقع إلى آخرومن متلقي إلى آخر، يجعل تحديد هويتها أمرا صعبا ومستحيلا في مرحلة ما من مراحل رحلتها الشبكية .. بينما لكي يتحقق سجال ونقاش جدي وهادف بين الرأي والرأي الآخرعلى أطراف البوليميكا أن يكشفوا عن وجوههم الحقيقية وليست المستعارة في هذا المعسكرأو في المعسكرالمناوئ له
0 التعليقات:
إرسال تعليق