سعيد منتسب
الضوء الآسر الذي يأتي من الخلف. الولع القديم بالقاعة المظلمة. غواية السينما التي جعلتنا شديدي الارتباط بالصور، وجعلتنا نحلم ونهزم الأشرار، كما ساعدتنا على مقاومة الضجر.
في ذاكرة كل واحد منا فيلم شاهده وتأثر به، بل أصبح جزءاً رئيساً من كيانه الروحي والعاطفي. فيلم يقع خارج التقييم الفني، ولا يخضع إعجابنا به لأي منطق، لأن العلاقة معه مبنية على العاطفة أساسا..
في هذه السلسلة، نواصل حكاية كاتب أو مثقف أو فنان مع الفيلم الذي كان له وقع عليه..
عبده حقي
سؤال جميل ونوستالجي لاذع يشرع ذاكرتي على ماضيها السحيق إلى أواخر الخمسينات وأوائل الستينات حين لم تكن إنشغالات وهوايات الشباب لاتتعدى الشغف الجنوني بالسينما وحب كرة القدم وحظا قليلا من القراءة .
أذكرجيدا كيف كان الذهاب إلى (السوليما) يوم الأحد عند العائلة يوم إحتفاء خاص بطقوسه العصرية المقتبسة من الثقافة الفرنسية ، حيث يعد له الكوستيم المكوي بعناية وربطة العنق والعطر وشلة أصدقاء الحومة أو زملاء العمل المتآصرين .
وأذكر جيدا أول يوم دشنت فيه الدخول إلى السينما . كنت برفقة أسرتي ، والدي رحمه الله ووالدتي وأخواي . كان ذلك مطلع الستينات بقاعة المونديال بشارع الروامزيل بمدينة مكناس تلك القاعة وجل القاعات باتت اليوم خربات مهجورة أفظع من آثار وليلي القديمة .
وأجمل ماأذكره في هذا الحدث الهام في سيرتي الشخصية كيف جعلت الجمهور ينفجر ضحكات وقهقهات عالية حين شاهدت على الشاشة طائرة تطوف بالمدرج وطلبت بصوت عال من والدي أن يشتري لي طائرة مثلها حين نخرج من القاعة ، فكان جوابه في جلبة القهقهات «حتى تكبر أولدي « وحين كبرت وجدت أن الطائرة صارت «طيارة» تعني شيئا آخر في قاعات أخرى ...
ثم توالى بعد ذلك ترددي على قاعات السينما وتعاظم نهمي البصري على مشاهدة الأفلام خصوصا في السبعينات مع هجوم موجة أفلام الكاراطي (بروس لي) والأفلام الهندية المترجمة بالدارجة المغربية (الصداقة) وأفلام جيمس بوند (007 ) وأفلام المافيا الإيطالية .
لكن قبل هذه المرحلة أذكر أيضا أن إحدى شركات الزيوت المشهورة كانت تزور حومتنا كل صيف وتحط معداتها وآلاتها لكي تبث على حائط عريض أبيض شريطا أو شريطين هنديين تتخللهما فواصل إعلانية دعائية ولقطات إخبارية لوزارة الأنباء ورياضية عن محمد الكورش وبيليه والعربي بامبارك ..إلخ كانت ساحة العرض الغبراء تصير ساحة حرب بين أولاد الحومة والأولاد الغرباء وتضيع السهرة بين هتافات الآباء والأمهات على أبنائهم ويكون بالتالي الفيلم الحقيقي هو ما يحدث على الأرض وليس على الشاشة ...
واليوم لست من المدمنين على مشاهدة الأفلام كل ليلة إلا نادرا . ولعبة المفاضلة بين هذا الفيلم وذاك تبقى نسبية ، لكن أعترف بهذه المناسبة أن فيلم « Misery وفيلم «البريئ» هما من أجمل ماشاهدت إلى حدود هذه اللحظة .
فيلم «Misery» من بطولة الممثلة الأمريكية المتألقة « KATY BATHS والممثل JAMS CANN تم عرضه سنة 1990 وهو مقتبس عن رواية للكاتب ستيفن كينج وتدور قصة الفيلم حول كاتب شهير يتعرض لحادثة سير في طريق ثلجي وعر وكان متجها إلى دار النشر، فتنقذه ممرضة مضطربة نفسيا ومعجبة برواية «ميزوري» لكنها ستكتشف أن الكاتب قد عمد في مسودة روايته الثانية إلى قتل البطلة وبالتالي سيتعرض للحجز والتعذيب والتنكيل من أجل تغيير مجرى الحكي نزولا عند ضغط الممرضة .
أما الفيلم الثاني الذي مازال يشم ذاكرتي السينمائية فهو فيلم «البريئ» من إخراج الراحل عاطف الطيب وقصة و سيناريو لوحيد حامد وبطولة أحمد زكي . إنه باختصار شديد صورة واقعية عن شطط السلطة وعنترية الديكتاتوريات العربية وسجونها الرهيبة التي لاتفرق بين كاتب ولص وتاجرمخذرات ومجرمين قتلة .
الفيلم يتناول حادثة وقعت للمؤلف وحيد حامد شخصيا خلال انتفاضة 17 و18 يناير 1977.
يتم إلحاق البطل أحمد سبع الليل الشاب الساذج بوحدات الجندية ، ليكون ضمن قوات حراسة أحد المعتقلات الخاصة بالمسجونين السياسيين فى منطقة صحراوية معزولة، وهناك يتم تدريبه على طاعة الأوامر طاعة عمياء حيث يتعامل مع هؤلاء المعتقلين السياسيين على أنهم»أعداء الوطن».
كتب مؤلف سيناريو الفيلم وحيد حامد في الإهداء : إلى عشاق الحرية والعدالة في كل زمان ومكان أهدي هذا الجهد المتواضع.
(*) عبده حقي قاص وروائي مدير موقع إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة
رابط الجريدة
0 التعليقات:
إرسال تعليق