اللجنة الدولية للصليب الأحمر تم
تأسيسها في العام 1863، وتسعى هذه المنظمة إلى الحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم
الحروب. ويسترشد عملها بالمبدأ القائل بوضع حدود للحرب نفسها: أي حدود لتسيير
الأعمال الحربية وحدود لسلوك الجنود.
وتُعرف مجموعة الأحكام التي وضعت استنادا إلى
هذا المبدأ والتي أقرتها كل أمم العالم تقريبا، بالقانون الدولي الإنساني الذي
تشكل اتفاقيات جنيف حجر أساسه.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة مستقلة ومحايدة تقوم بمهام
الحماية الإنسانية وتقديم المساعدة لضحايا الحرب والعنف المسلح. وقد أوكلت إلى
اللجنة الدولية، بموجب القانون الدولي، مهمة دائمة بالعمل غير المتحيز لصالح
السجناء والجرحى والمرضى والسكان المدنيين المتضررين من النزاعات. وإلى جانب مقرها
الرئيسي في جنيف، هناك مراكز للجنة الدولية
في حوالي 80 بلداً ويعمل معها عدد من الموظفين يتجاوز مجموعهم 12000 موظف. هذا وفي
حالات النزاع، تتولى اللجنة الدولية تنسيق العمل الذي تقوم به الجمعيات الوطنية
للصليب الأحمر والهلال الأحمر واتحادها العام. واللجنة الدولية هي مؤسس الحركة
الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومصدر إنشاء القانون الدولي الإنساني لاسيما
اتفاقيات جنيف.
يعود الفضل في نشأة اللجنة الدولية
إلى رؤية وإصرار رجل واحد. الزمان: 24 حزيران/يونيو 1859. المكان: سولفرينو, بلدة
في شمال إيطاليا. اشتبك الجيشان النمساوي والفرنسي في معركة ضارية، وبعد ست عشرة
ساعة من القتال كانت ساحة القتال تغص بأجساد أربعين ألف من القتلى والجرحى. وفي
مساء اليوم نفسه وصل مواطن سويسري يُدعى "جان هنري دونانت" إلى المنطقة
في رحلة عمل. وهناك راعته رؤية آلاف الجنود من الجيشين وقد تركوا يعانون بسبب ندرة
الخدمات الطبية الملائمة. ووجّه إذ ذاك نداء إلى السكان المحليين طالباً منهم
مساعدته على رعاية الجرحى وملحاً على واجب العناية بالجنود الجرحى من كلا الجانبين.
وعند عودته إلى سويسرا نشر "دونان" كتاب "تذكار سولفرينو"،
الذي وجّه فيه نداءين مهيبين: الأول يدعو فيه إلى تشكيل جمعيات إغاثة في وقت السلم
تضم ممرضين وممرضات مستعدين لرعاية الجرحى وقت الحرب؛ والثاني يدعو فيه إلى
الاعتراف بأولئك المتطوعين الذين يتعين عليهم مساعدة الخدمات الطبية التابعة للجيش
وحمايتهم بموجب اتفاق دولي. وفي عام 1863 شَكَّلت "جمعية جنيف للمنفعة
العامة"، وهي جمعية خيرية بمدينة جنيف, لجنة من خمسة أعضاء لبحث إمكانية
تطبيق أفكار "دونان". وأنشأت هذه اللجنة ـ التي ضمّت "غوستاف موانييه"
و"غيوم-هنري دوفور" و"لوي أبيا" و"تيودور مونوار"،
فضلاً عن جان هنري دونانت نفسه ـ "اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى" التي
أصبحت فيما بعد "اللجنة الدولية للصليب الأحمر". بعد تأسيس اللجنة شرع
مؤسسوها الخمسة في تحويل الأفكار التي طرحها كتاب "دونان" إلى واقع.
وتلبية لدعوة منهم أوفدت 16 دولة وأربع جمعيات إنسانية ممثلين لها إلى المؤتمر
الدولي الذي افتتح في جنيف في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1863. وكان ذلك المؤتمر هو
الذي اعتمد الشارة المميِّزة ـ شارة الصليب الأحمر على أرضية بيضاء ـ والذي ولدت
من خلاله مؤسسة الصليب الأحمر. ومن أجل إضفاء الطابع الرسمي على حماية الخدمات
الطبية في ميدان القتال والحصول على اعتراف دولي بالصليب الأحمر ومثله العليا،
عقدت الحكومة السويسرية مؤتمراً دبلوماسياً في جنيف عام 1864، شارك فيه ممثلو
اثنتي عشرة حكومة واعتمدوا معاهدة بعنوان "اتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى الجيوش
في الميدان"، والتي غدت أولى معاهدات القانون الإنساني. وعقدت مؤتمرات أخرى
لاحقاً وسَّعت نطاق القانون الأساسي ليشمل فئات أخرى من الضحايا كأسرى الحرب
مثلاً. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية عقد مؤتمر دبلوماسي دامت مداولاته أربعة
أشهر واعتمدت على أثره اتفاقيات جنيف الأربع في 1949 التي عززت حماية المدنيين في
أوقات الحرب. وأُكْمِلت هذه الاتفاقيات في 1977 ببروتوكولين إضافيين.
وتشمل مهامها:
1• زيارة
أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين.
2• البحث
عن المفقودين.
3• نقل
الرسائل بين أبناء الأسر التي شتتها النزاع.
4• إعادة
الروابط الأسرية.
5• توفير
الغذاء والمياه والمساعدة الطبية للمدنيين المحرومين من هذه الضروريات الأساسية.
6• نشر
المعرفة بالقانون الإنساني.
7• مراقبة
الالتزام بهذا القانون.
لفت الانتباه إلى الانتهاكات
والإسهام في تطور القانون الإنساني.
إن دور اللجنة الدولية الخاص قد
عهدت إليها به الدول من خلال الصكوك المتعددة للقانون الإنساني. ومع ذلك, وبينما
تحافظ اللجنة الدولية على حوار مستمر مع الدول, فإنها تصر في كافة الأوقات على
استقلالها. ذلك أنها ما لم تتمتع بحرية العمل مستقلة عن أي حكومة أو سلطة أخرى،
فإنه لن يكون بوسعها خدمة المصالح الحقيقية لضحايا النزاع، وهو ما يقع في صميم
مهمتها الإنسانية.
تعطي الصفحات التالية فكرة عن هذه
المنظمة الفريدة، عن نشأتها وأهدافها ومثلها. وهي تبيّن أيضاً طريقة عمل اللجنة
الدولية وأسباب تصرفها على نحو بعينه وطبيعة المستفيدين من أعمالها.
رغم أن اللجنة الدولية نشأت عن
مبادرة سويسرية خاصة فإن عملها ونطاق اهتماماتها له طابع دولي. للمنظمة مندوبون في
نحو 60 بلداً عبر أنحاء العالم بينما تمتد أنشطتها لتشمل أكثر من 80 بلداً، ويعمل
معها قرابة 12 ألف موظف أغلبهم من مواطني البلدان التي تعمل فيها. ويوفر نحو 800
شخص الدعم والمساندة اللازمين لعمليات اللجنة الدولية في الميدان انطلاقاً من
مقرها في جنيف بسويسرا.
تتولى البعثات الميدانية بالأساس
أنشطة الحماية أو المساعدة أو الوقاية لصالح ضحايا حالات النزاع المسلح أو
الاقتتال الداخلي القائمة أو الناشئة. (للتعرف على تفاصيل حول هذه الأنشطة أنظر
الفصل الخاص بها.)
تغطي البعثات الإقليمية تقريباً
جميع البلدان غير المتضررة من النزاعات المسلحة مباشرة. وتضطلع هذه البعثات بمهمات
محددة تتصل بالأنشطة الميدانية من جهة و"الدبلوماسية الإنسانية" (أنظر
ص37) من جهة أخرى. ويساعد وجود هذه البعثات في منطقة من المناطق على رصد تطور
الأحداث الخطرة المحتملة وعلى العمل كجهاز إنذار مبكر, وهو ما يسمح للجنة الدولية
بالاستعداد للعمل الإنساني السريع عند الضرورة
0 التعليقات:
إرسال تعليق