الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أغسطس 09، 2024

"العقل أم الرغبات " من منظور فلسفة دافيد هيوم : عبده حقي


يعد ديفيد هيوم، الفيلسوف الاسكتلندي في القرن الثامن عشر، أحد أكثر المفكرين تأثيرًا في عصر التنوير. إن مقولته، "العقل هو العقل ولا ينتمي لعبيد للرغبات"، يلخص رؤية معقدة للطبيعة البشرية والعلاقة بين العقل والعواطف. ولفهم هذه المقولة بشكل كامل، من الضروري استكشاف خلفية هيوم الفلسفية، وأفكاره حول العقل والعواطف، وآثار هذه العلاقة على الأخلاق والمعرفة الإنسانية.

غالبًا ما يرتبط ديفيد هيوم بالتجريبية، وهي عقيدة فلسفية ترى أن كل المعرفة مستمدة من الخبرة الحسية. على عكس العقلانيين مثل ديكارت، الذين آمنوا بالحقائق الفطرية التي يمكن الوصول إليها من خلال العقل الخالص، رأى هيوم أن أفكارنا هي نتاج انطباعاتنا الحسية. لقد قاد هذا المنظور التجريبي هيوم إلى رؤية متشككة للعديد من المفاهيم الفلسفية التقليدية، بما في ذلك السببية والهوية الشخصية.

بالنسبة لهيوم، يلعب العقل والعواطف أدوارًا متميزة ولكنها مترابطة في حياة الإنسان. والعقل، حسب رأيه، هو الأداة التي ننظم بها ونحلل انطباعاتنا وأفكارنا. فهو يسمح لنا بعمل استنتاجات واستخلاصات بناءً على الملاحظات التجريبية. ومع ذلك، يرى هيوم أن العقل محدود بشكل أساسي في قدرته على تحفيز الفعل البشري. العواطف أة الرغبات، هي المحركات الحقيقية لأفعالنا. إنها تحفزنا على العمل ومتابعة الأهداف.

قد يبدو هذا الاقتباس من هيوم متناقضًا للوهلة الأولى. كيف يمكن للعقل أن يكون مستقلاً وخاضعاً للأهواء؟ بالنسبة لهيوم، تكمن الإجابة في إدراك أن العقل والعواطف لهما مجالات تأثير مختلفة. يمكن للعقل أن يخبرنا عن أكثر الوسائل فعالية لتحقيق أهدافنا، لكنه لا يستطيع تحديد تلك الغايات بنفسه. ومن ناحية أخرى، تحدد العواطف رغباتنا وأهدافنا، ولكنها تحتاج إلى سبب للتنقل في العالم وتحقيق تلك الأهداف بفعالية.

أحد أهم مساهمات هيوم في الفلسفة الأخلاقية هو تأكيده على الدور المركزي للعواطف في الأخلاق. على عكس الفلاسفة مثل كانط، الذين نظروا إلى الأخلاق على أنها مسألة اتباع الضرورات العقلانية، رأى هيوم أن أحكامنا الأخلاقية تعتمد بشكل أساسي على مشاعرنا. نحن نوافق على الأفعال أو نرفضها ليس لأنها مبررة عقلانيًا، ولكن لأنها تثير فينا مشاعر المتعة أو الاستياء.

لقد استكشف هيوم أيضًا حدود العقل في عالم المعرفة الإنسانية. وقال إن العديد من المعتقدات التي نعتبرها أمرا مفروغا منه، مثل السببية أو استمرار وجود الأشياء، لا يمكن تبريرها بالعقل وحده. وبدلاً من ذلك، فإن هذه المعتقدات هي نتاج العادة وترابط الأفكار. على سبيل المثال، نحن نعتقد أن الشمس سوف تشرق غدا ليس لأن لدينا دليلا عقليا على ذلك، ولكن لأننا لاحظنا هذه الظاهرة مرارا وتكرارا في الماضي.

إن مقولة هيوم، "العقل هو العقل، ولا ينتمي إلى، عبيد العواطف"، تدعونا إلى إعادة النظر في العلاقة بين العقل والعواطف في حياتنا. ومن خلال إدراك حدود العقل والدور المركزي للعواطف، يقدم لنا هيوم رؤية أكثر دقة وواقعية للطبيعة البشرية. ولهذا المنظور آثار عميقة على الفلسفة الأخلاقية، ونظرية المعرفة، وفهمنا لأنفسنا ككائنات عقلانية وعاطفية.

في النهاية، يذكرنا هيوم بأن العقل، رغم أهميته، ليس كافيًا لفهم العالم والإبحار فيه. ويجب أن يُستكمل بالاعتراف بالعواطف التي تدفعنا وتحفزنا. ماتزال تستمر هذه النظرة المتوازنة للعقل والعواطف في التأثير على الفلسفة المعاصرة وفهمنا للحالة الإنسانية.

0 التعليقات: