في الوقت الذي تُعيد فيه جبهة "البوليساريو" وممثلو ما يُسمى بالجمهورية الصحراوية الوهمية ترديد أسطوانة "الاستفتاء" المخدوشة، يرسّخ المغرب يومًا بعد آخر موقعه الدولي من خلال مشروعه الواقعي والجاد المتمثل في مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحلّ وحيد وعملي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وما بين دعوات ضغط غير ذات جدوى تصدر عن كيانات فاقدة للشرعية على الأرض، وتزايُد ملموس في عدد الدول الداعمة لخطة الحكم الذاتي، تتضح معالم التفوق المغربي دبلوماسيًا وسياسيًا وقانونيًا.
في 18 يونيو 2025، نشرت بعض المصادر المحسوبة على جهات مناوئة للوحدة الترابية للمملكة خبرًا مفاده أن ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" جددت مناشدتها للمجتمع الدولي للضغط على المغرب من أجل تطبيق ما تدعي أنه "اتفاق استفتاء"، متناسية أن هذا المسار قد تجاوزه الزمن سياسيًا وواقعيًا منذ سنوات طويلة، وأن منظمة الأمم المتحدة نفسها لم تعد تعتمد على خيار الاستفتاء كحل عملي، بعد فشله الذريع بسبب تعقيدات تحديد الهوية ورفض "البوليساريو" أي مقاربة واقعية.
في المقابل، أكدت الدورة التاسعة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، المنعقدة يوم 17 يونيو 2025، بما لا يدع مجالًا للشك، أن المجتمع الدولي بات منفتحًا بشكل واضح على الطرح المغربي. إذ عبّرت نحو أربعين دولة عن دعمها الصريح والقوي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي قدمها جلالة الملك محمد السادس سنة 2007. هذه المبادرة حظيت بثقة عدد من الدول الكبرى لأنها توازن بين حق الساكنة الصحراوية في تدبير شؤونها المحلية، وبين احترام سيادة المغرب ووحدته الترابية.
وتعزَّز هذا الزخم الدولي الإيجابي لصالح المغرب بدينامية لافتة داخل أروقة القرار السياسي الأوروبي، وتحديدًا البريطاني، حيث أعلن البرلمان البريطاني عن تخصيص جلسة يوم 18 يونيو لمناقشة عمق العلاقات المغربية البريطانية في ظل الموقف الجديد للندن الداعم رسميًا لخطة الحكم الذاتي. إن هذا الموقف البريطاني، وإن تأخر، إلا أنه يحمل دلالات جيوسياسية عميقة، خصوصًا في مرحلة ما بعد "البريكسيت"، حيث تسعى بريطانيا لتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع دول مستقرة، وذات رؤية واضحة في محيطها، وهو ما يتجلى في النموذج المغربي.
إن فشل خصوم المغرب في فرض أطروحتهم على المنتظم الدولي ليس بسبب ضعف إعلامهم أو خطابهم السياسي فحسب، بل لأن الواقع الميداني والقانوني والاقتصادي لا يخدم أطروحتهم. فالصحراء المغربية، في ظل النموذج التنموي الجديد، تشهد مشاريع بنية تحتية غير مسبوقة، ومعدلات استثمار مرتفعة، وتزايدًا في نسبة مشاركة الساكنة المحلية في تدبير شؤونها. فهل من المعقول أن تُجرَّ هذه المناطق النابضة بالحياة إلى مغامرة استفتائية مجهولة المصير لا تخدم سوى أجندات دولية وإقليمية معينة؟
المعادلة باتت إذن واضحة: المغرب يقدّم حلًا واقعيًا يستجيب لتطلعات الساكنة ويحظى بدعم دولي متزايد، بينما تواصل "البوليساريو" التمسك بشعارات فقدت صدقيتها، لا تجد صدىً إلا في بعض الأنظمة المغلقة أو العاجزة عن مواكبة منطق العصر.
في الختام، يُمكن القول إن المغرب قد استطاع، عبر مقاربة شمولية تجمع بين الدبلوماسية الفعالة والتطور التنموي المحلي، أن يحوّل مسار ملف الصحراء من حالة نزاع إلى نموذج في الاستقرار والتنمية. وما تصاعد الدعم الدولي إلا انعكاسٌ لنجاعة هذا النموذج، ودليل على أن رهانات الانفصال والاستفتاء قد ولّت إلى غير رجعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق