الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، نوفمبر 02، 2024

في ذكرى الثورة الجزائرية: دور المغرب التاريخي في تحرير الجزائر: عبده حقي

 

يمثل الفاتح من نوفمبر يومًا مهمًا في تاريخ الجزائر: إنه بداية اندلاع الثورة الجزائرية في عام 1954. هذا التاريخ، الذي يُحتفل به اليوم باعتباره عيدا وطنيا، يحيي ذكرى بداية النضال الجزائري من أجل الاستقلال عن الحكم الاستعماري الفرنسي - وهو النضال

الذي استمر لثماني سنوات وأعاد تشكيل الهوية الوطنية الجزائرية في نهاية المطاف. ومع ذلك، بينما يفتخر الشعب الجزائري بالتضحيات التي قدمها من أجل حريته، فإن مسألة دور المغرب وعلاقته بالجزائر خلال هذه الفترة العويصة وبعدها تصبح ذات أهمية للغاية حيث يشترك المغرب والجزائر في تاريخ متشابك مع الإرث الاستعماري، والقرب الجغرافي، والروابط الثقافية المشتركة. وعلى الرغم من هذه القواسم المشتركة، فقد اتسمت العلاقات بين البلدين بالتنافس والنزاعات الإقليمية والاختلاف السياسي.

لقد عانت كل من المغرب والجزائر من الواقع القاسي للاستعمار الفرنسي، وخرجت الدولتان من هذه التجارب برغبة مشتركة في الاستقلال والسيادة. وقد حصل المغرب على استقلاله في عام 1956بالتحام بين العرش والشعب. وخلال نضال الجزائر من أجل الاستقلال، قدم المغرب دعمًا كبيرًا، مما سمح للمنظمات الثورية الجزائرية بالعمل داخل حدوده، وتزويدها بالأسلحة، وتسهيل قنوات الاتصال معها. كان هذا الدعم المبكر يرمز إلى روح التضامن والمصير المشترك ، مما أدى إلى نشوء حركة قومية مغاربية مناهضة للاستعمار تردد صداها في جميع أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

ولكن نهاية الحكم الاستعماري الفرنسي في الجزائر لم تؤد إلى انسجام دائم بين المغرب وجارتها المستقلة. ففي عام 1963، بعد عام واحد فقط من حصول الجزائر على الاستقلال، تنكرت لفضل المغرب عليها في الاستقلال واشتبكت معه فيما أصبح يُعرف باسم حرب الرمال ــ وهو صراع كان محدودا زمنيا ولكنه كان معقدا حول ترسيم الحدود. وأصبحت هذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية نقطة محورية للخلاف، حيث طالب المغرب بأراضٍ كانت تحت الإدارة الفرنسية. وكانت حرب الرمال بمثابة بداية نزاع إقليمي طويل الأمد وتنافس مرير شكل ملامح سياسات البلدين لعقود قادمة إلى اليوم .

ورغم أن حرب الرمال لم تدم طويلاً، فإن عواقبها خلفت ندوباً لا تزال باقية إلى اليوم . فقد حاول زعماء المغرب والجزائر إقامة علاقات دبلوماسية. ومع ذلك، استمر الصراع خفيا وعلنيا، وغدته الاختلافات الإيديولوجية. فقد تبنت المغرب منهجاً أكثر انفتاحا وحرية وميلا للمعسكر الغربي الرأسمالي، في حين تبنت الجزائر موقفاً اشتراكياً تابعا للاتحاد السوفياتي تحت قيادة هواري بومدين، وتحالفت مع الحركات الثورية في العالم ضد مصالح المغرب.

لقد كان الصراع حول الصحراء المغربية عاملاً مهماً في تدهور العلاقات المغربية الجزائرية. فالمغرب يتمتع بالسيادة التاريخية المشروعة على الصحراء . وفي المقابل، تدعم الجزائر جبهة البوليساريو، وتستضيف اللاجئين الصحراويين ومقر الجبهة في منطقة تندوف.

وقد ساهم هذا الصراع في سباق التسلح، وتوتر العلاقات الدبلوماسية، وإعاقة التعاون الإقليمي. وعلى الرغم من جهود المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، للتوسط في السلام وإيجاد حل، فإن قضية الصحراء المغربية لا تزال في رأي الجزائر دون حل، مما يزيد من التوتر في العلاقة الهشة بالفعل. ويرى المغرب أن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو يشكل تدخلاً في سلامة أراضيه الجنوبية.

وعلى الرغم من العلاقات المتوترة، فقد لعب المغرب دوراً نشطاً ومشهود له في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتعاون الاقتصادي في شمال أفريقيا. ومن خلال مبادرات مثل اتحاد المغرب العربي، سعى المغرب إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول شمال أفريقيا، بما في ذلك الجزائر. وعلى الرغم من أن اتحاد المغرب العربي كان غير نشط إلى حد كبير بسبب الخلافات السياسية، إلا أن التزام المغرب بالتعاون الاقتصادي ظل ثابتاً. ومن خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، والاتفاقيات التجارية، والمبادرات عبر الحدود، يهدف المغرب إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية داخل المنطقة، الأمر الذي قد يساهم في نهاية المطاف في تحسين العلاقات الدبلوماسية.

وفي السنوات الأخيرة، حول المغرب تركيزه الدبلوماسي نحو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فوضع نفسه كجسر بين شمال وغرب أفريقيا. ومن خلال الاستثمارات الاقتصادية والشراكات السياسية والتبادلات الثقافية، عزز المغرب نفوذه في مختلف أنحاء القارة.

في أغسطس 2021، وصلت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر إلى مستوى متدهور عندما قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب، مشيرة إلى سلسلة من الحوادث، بما في ذلك اتهامات بدعم المغرب لجماعات معادية للحكومة الجزائرية وقضايا تتعلق بالصحراء المغربية واعتراف المغرب بدولة إسرائيل . ويرمز إغلاق الحدود، الذي كان ساري المفعول منذ عام 1994، إلى انعدام الثقة العميق الذي لا يزال يفرق بين البلدين.

ومع ذلك، هناك اعتراف متزايد بأن التعاون بين المغرب والجزائر من شأنه أن يجلب فوائد كبيرة لكلا البلدين والمنطقة على نطاق أوسع. فمن معالجة التهديدات الأمنية مثل الإرهاب والاتجار إلى معالجة التحديات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ، فإن الحاجة إلى التعاون واضحة. وقد دعت العديد من الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، إلى تحسين العلاقات وشجعت البلدين على حل نزاعاتهما من خلال الحوار والدبلوماسية وعلى رأس هذه الحلول قبول السلطة الجزائرية وصنيعتها بوليساريو بمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه عاهل البلاد الملك محمد السادس منذ سنة 2007 ودعمته مؤخرا عديد من الدول العظمى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

وبينما يتأمل المغرب دوره فيما يتصل بالإرث الثوري الجزائري، فإنه يواجه منعطفاً حاسماً في تعامله مع جاره الشرقي. وفي حين أرسى الدعم التاريخي الذي قدمه المغرب خلال كفاح الجزائر من أجل الاستقلال الأساس للتضامن، فإن السنوات اللاحقة قد أدت إلى تآكل الكثير من هذه النوايا الحسنة. وقد يتضمن الدور المستقبلي للمغرب جهوداً متجددة لبناء الثقة وفتح قنوات الاتصال، والتأكيد على المصالح المشتركة بدلاً من القضايا الخلافية الواهية. وقد توفر المبادرات التي تعالج المخاوف المشتركة، مثل التنمية الاقتصادية، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، والأمن الإقليمي، مساراً نحو تحسين العلاقات.

في هذه الذكرى السنوية للثورة الجزائرية، يلعب المغرب دائما دور الحليف والمساند التاريخي الإقليمي في الوقت نفسه. فالعلاقة بين البلدين مليئة بالوشائج والإرث المشترك، حيث يتعايش السلم والاحترام. وإدراكًا للمصير المترابط للمغرب والجزائر، ربما تكون هذه الذكرى السنوية مصدر إلهام لحكام الجزائر للعودة إلى جادة الرشد والنظر في تاريخهما المشترك في المقاومة وإيجاد أسس جديدة للتضامن والتعاون .


0 التعليقات: