لقد فتح الإعلان الأخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن إعادة 2.5 مليون وثيقة من الحقبة الاستعمارية إلى المغرب فصلاً جديدًا في التفاعل المعقد بين التاريخ والسياسة والدبلوماسية بين البلدين. وقد يكون لهذا القرار، الذي أوردته مجلة جون أفريك ، آثار كبيرة، ليس فقط على فهم ماضي المغرب ولكن أيضًا على نزاعاته الإقليمية المستمرة. وفي حين يبدو أن هذه المبادرة من المصالحة تعمل على تعزيز العلاقات الثنائية، فإنها تحيي أيضًا أسئلة تاريخية عميقة الجذور حول إرث الاستعمار في تشكيل الحدود المعاصرة.
إن نقل الأرشيفات الفرنسية
إلى المغرب ليس بالأمر غير المسبوق. ففي سبتمبر 2022، أعادت فرنسا بالفعل جزءًا كبيرًا
من الملفات الرقمية من إدارة الشؤون الداخلية التابعة للمقر العام، والتي بلغ مجموعها
أكثر من 60 ألف صورة. وقد قدمت هذه الوثائق، التي ركزت على الديناميكيات الأنثروبولوجية
والاجتماعية للقبائل المغربية، رؤى ثاقبة ومفيدة حول أسس المجتمع المغربي تحت حكم الحماية
الفرنسية. ومع ذلك، فقد جذبت هذه الجهود السابقة اهتمامًا عامًا محدودًا، ربما بسبب
أهميتها الأكاديمية المتخصصة.
لكن تعهد ماكرون الأخير
يمس أرضًا أكثر إثارة للجدل. فالشريحة الجديدة من الوثائق تتعلق بترسيم الحدود، وهو
موضوع محفوف بالمظالم التاريخية. وتظل النزاعات الإقليمية للمغرب، وخاصة مع الجزائر
وفي الصحراء المغربية، تشكل محورًا لهويته الوطنية واستراتيجيته الجيوسياسية. ومن خلال
إعادة النظر في الاتفاقيات والخرائط الاستعمارية، يمكن أن يوفر هذا النقل الأرشيفي
للمغرب أدلة تاريخية لدعم مطالباته الإقليمية. وعلى هذا النحو، فإن هذه المبادرة تتعلق
بالسياسة بقدر ما تتعلق بالتاريخ.
ومن المرجح أن يكون
أحد الموضوعات الرئيسية في هذه الوثائق هو تطور حدود المغرب تحت الإدارة الاستعمارية
الفرنسية. فبدءًا من ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأت حدود الإمبراطورية الشريفة تتآكل
تحت ضغط فرنسا وإسبانيا، اللتين عملتا بشكل منهجي على تقسيم الأراضي إلى مناطق نفوذ.
وتشكل معاهدة لالة مغنية، التي تم توقيعها في عام 1845، نقطة مرجعية بالغة الأهمية
في هذا السياق.
وقد سعت المعاهدة،
التي تم التفاوض عليها في أعقاب هزيمة القوات المغربية في معركة إيسلي، إلى ترسيم الحدود
بين الجزائر الفرنسية والمغرب. ومع ذلك، كانت أحكامها مليئة بالغموض. ففي حين حددت
المعاهدة بوضوح امتدادًا للحدود يمتد 165 كيلومترًا من البحر الأبيض المتوسط إلى
أطلس التل، إلا أنها تركت مساحات شاسعة من الصحراء الكبرى غير محددة، مشيرة إلى هذه
المناطق باعتبارها صحارى قاحلة لا تستحق ترسيمًا دقيقًا. وقد مهد هذا الغموض الطريق
لعقود من النزاعات، مع تكثيف التقدم الفرنسي في الصحراء الكبرى وطمس خطوط السيادة.
لقد كان النزاع الحدودي
بين الجزائر والمغرب، والذي يعود جذوره إلى اتفاقيات تعود إلى الحقبة الاستعمارية،
بمثابة نقطة اشتعال للتوترات بين الجارتين الشقيقتين. ومع تقدم الفرنسيين في عمق الصحراء
في أواخر القرن التاسع عشر، تعرضت السيادة المغربية على مناطق مثل توات وتيديكلت وغورارة
للتحدي. ولقد قاوم السلطان مولاي الحسن الأول، الذي أدرك الأهمية الاستراتيجية لهذه
الأراضي، التعدي الفرنسي. وكانت جهوده لتأكيد السلطة في المنطقة، بما في ذلك الحملات
العسكرية والإيماءات الرمزية، تعكس تصميم المغرب على الحفاظ على سلامة أراضيه.
وعلى الرغم من مقاومة
السلطان، ضم الفرنسيون هذه المناطق تدريجياً، حتى بلغ الأمر ذروته باحتلالهم الدائم
لها في عام 1900. ولم تكن خسارة الأراضي هذه مجرد مسألة جغرافية، بل كانت بمثابة ضربة
موجعة للمطالبات التاريخية المغربية وفخرها الوطني. وحتى اليوم، لا تزال طبيعة هذه
الحدود غير المحسومة تغذي التوترات الدبلوماسية، كما يتضح من الخطوط المنقطة التي لا
تزال تظهر على خرائط المنطقة.
وقد تلقي هذه الاكتشافات
الأرشيفية الضوء أيضاً على حدود أخرى مثيرة للجدل: الصحراء المغربية. فقد ارتبطت السياسات
الاستعمارية الفرنسية في الصحراء ارتباطاً وثيقاً بطموحات إسبانيا. ففي أواخر القرن
التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تفاوضت القوتان الأوروبيتان على تقسيم النفوذ على
جنوب المغرب والصحراء المغربية. وقد أرست هذه المفاوضات، التي جرت دون موافقة المغرب،
الأساس لإنشاء الصحراء الإسبانية في نهاية المطاف.
وقد اعترفت الاتفاقيات
بين باريس ومدريد بسيطرة إسبانيا على مناطق مثل ريو دي أورو والساقية الحمراء، مما
مهد الطريق لنظام الحماية المزدوجة الذي تم إقراره رسميا في عام 1912. ولا يزال إرث
هذه الترتيبات قائما، حيث تواصل المغرب المطالبة بالسيادة على الصحراء الغربية، في
مواجهة مقاومة من الجزائر وحركة الاستقلال الصحراوية.
إن إعادة الأرشيفات
التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية ليست مجرد عمل من أعمال المصالحة التاريخية؛ بل إنها
خطوة استراتيجية من جانب فرنسا للحفاظ على نفوذها في المغرب وسط ديناميكيات جيوسياسية
متغيرة. وتأتي هذه البادرة في وقت واجهت فيه العلاقات بين المغرب وفرنسا تحديات، بما
في ذلك الخلافات حول سياسات التأشيرات وتصورات موقف فرنسا من صراع الصحراء المغربية.
بالنسبة للمغرب، لا
تمثل الأرشيفات مجرد قطع أثرية تاريخية. فهي أدوات لتعزيز مطالباته الإقليمية وتعزيز
مشروعيته للاستمرارية التاريخية والسيادة. ومن خلال تأطير نزاعاته الإقليمية في سياق
الظلم الاستعماري، يمكن للمغرب أن يعزز مكانته في المحافل الإقليمية والدولية.
كما أن الكشف عن هذه
الوثائق الأرشيفية قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين المغرب والجزائر. فمن المرجح أن
تعترض الجزائر، التي لديها روايتها الخاصة عن المقاومة الاستعمارية والسلامة الإقليمية،
على أي دليل يدعم مطالبات المغرب بالأراضي المتنازع عليها، مثل فكيك أو الصحراء الغربية.
وتظل قضايا الحدود بين البلدين تشكل عقبة كبيرة أمام التعاون الإقليمي، كما يتبين من
الشلل المستمر الذي أصاب اتحاد المغرب العربي.
ورغم أن إعادة الأرشيفات
تشكل بادرة تحمل في طياتها احتمالات تجدد الصراع، فإنها توفر أيضاً فرصة للحوار. ومن
الممكن أن يشكل التاريخ المشترك للاستعمار الفرنسي أساساً للمغرب والجزائر للمشاركة
في مناقشات بناءة حول ماضيهما المشترك ومستقبلهما. ومن خلال معالجة المظالم التاريخية
من خلال الدبلوماسية والتعاون، يمكن للدولتين أن تقتربا من حل نزاعاتهما وتعزيز التكامل
الإقليمي.
إن إعادة الأرشيفات
الاستعمارية الفرنسية إلى المغرب تشكل عملاً رمزياً له دلالات عميقة. فهي لا تعيد النظر
في الظلم التاريخي الذي خلفه الاستعمار فحسب، بل إنها تعيد أيضاً فتح باب النقاش حول
الحدود التي تحدد شمال أفريقيا الحديثة. وبالنسبة للمغرب، قد تصبح هذه الأرشيفات أداة
قوية في تأكيد مطالباته الإقليمية. أما بالنسبة للمنطقة الأوسع نطاقاً، فإنها بمثابة
تذكير بالإرث الاستعماري الذي لم يُحَل بعد. وسوف يتوقف ما إذا كانت هذه البادرة ستؤدي
إلى المصالحة أو تجدد الصراع على كيفية تفسير التاريخ الذي تحتويه هذه الأرشيفات والتصرف
على أساسه في الوقت الحاضر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق