كشف تقرير حديث صادر عن منصة StartupBlink العالمية، المتخصصة في تتبع منظومات الابتكار وريادة الأعمال، عن تصدّر المملكة العربية السعودية عالميًا في معدل نمو منظومة الشركات التقنية الناشئة، متقدمة على اقتصادات عريقة في هذا المجال. ويعكس هذا الإنجاز التحولات العميقة التي تقودها الرياض، لا سيما من خلال رؤية 2030 التي وضعت الابتكار والتقنية في قلب مشروعها التنموي.
لم يكن هذا التقدم وليد صدفة، بل نتيجة مباشرة لسياسات ممنهجة ومبادرات نوعية، مثل برنامج "طموح" و"مسرعات السعودية"، وتأسيس مناطق اقتصادية خاصة تركز على التقنيات المستقبلية، فضلًا عن دعم حكومي ومالي كبير عبر صناديق استثمارية موجهة لريادة الأعمال. وقد أصبحت الرياض اليوم موطنًا لشبكات حاضنات أعمال ومسرعات نمو توازي في ديناميكيتها نظيراتها في وادي السيليكون.
في موازاة هذا التقدم السعودي، تسجل الإمارات العربية المتحدة تقدمًا مذهلًا في ميدان الذكاء الاصطناعي، حيث أعلن "معهد الابتكار التكنولوجي" في أبوظبي عن إطلاق نموذجين جديدين للذكاء الاصطناعي، هما "فالكون عربي" و"فالكون H1". الأول يُعد من أوائل النماذج اللغوية المتقدمة التي تتحدث بالعربية، ما يفتح آفاقًا جديدة للحوكمة الرقمية والتعليم والصحافة العربية المعززة بالذكاء الاصطناعي، بينما يمثل الثاني نقلة نوعية في تطوير نماذج متعددة المهام توازي في قدرتها نماذج غربية عملاقة.
يمثل "فالكون" تتويجًا لاستراتيجية الإمارات التي دشنتها رسميًا منذ عام 2017 بإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي، لتكون أول دولة في العالم تتبنى هذا التوجه على مستوى القيادة التنفيذية. وقد نجحت أبوظبي ودبي في احتضان منظومات بحث وتطوير متقدمة، عززت شراكاتها مع جامعات وشركات عالمية، مما ساهم في تكوين بيئة خصبة لتوليد نماذج ذكاء اصطناعي محلية ذات كفاءة عالمية.
وبينما تسير السعودية في طريق بناء اقتصاد رقمي قائم على تمكين الشباب ورواد الأعمال، تركز الإمارات على تموضعها كمركز عالمي لتطوير تقنيات المستقبل. هذا التنوع في المقاربات لا يُظهر تنافسًا، بل يكشف عن تكامل في الأدوار يمكن أن يجعل من الخليج العربي قطبًا تكنولوجيًا عالميًا لا يقل شأنًا عن شرق آسيا أو أوروبا.
ليس من المبالغة القول إنّ ما يحدث اليوم في الرياض وأبوظبي يُعيد رسم خريطة التكنولوجيا عالميًا من الجنوب إلى الشمال، ويمنح المنطقة العربية فرصة تاريخية للانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن التبعية إلى الريادة.
وبين "فالكون" الإماراتي و"StartupBlink" السعودي، يكتب الخليج فصله الجديد بلغة البرمجيات، والشبكات العصبية، ورؤوس الأموال الذكية. فهل يكون هذا التحول الرقمي هو الجسر الذي تعبر عليه شعوب المنطقة نحو عصر جديد من السيادة المعرفية؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق