الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، مايو 28، 2025

الحكم على المرشحة للرئاسيات الجزائرية "سعيدة نغزة" بالسجن النافذ: عبده حقي


الجزائر، 26 ماي 2025، يوم سيسجّل في ذاكرة الجزائريين لا بوصفه يوماً عادياً في تقويم السياسة، بل يوماً فاضحاً لتدهور سلطة العدالة وتحولها إلى أداة انتقام سياسي مكشوف. في قاعة المحكمة الاقتصادية والمالية بسيدي أمحمد، صدر الحكم الثقيل في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الجزائر المستقلة، قضية المرشحة الرئاسية السابقة السيدة «سعيدة نغزة»، التي قُدّمَت للمحاكمة في ما وصفته الأوساط الحقوقية بأنه ملف “مفبرك”، عقوبته الوحيدة أنها تجرأت على الترشح ضد عبد المجيد تبون في انتخابات سبتمبر 2024.

«الحكم: عشر سنوات سجناً نافذاً»، ليس بتهم موثقة أو دلائل دامغة، بل استناداً إلى “اعترافات” قيل إنها انتزعت منها تحت التعذيب والتهديد، وتهم فضفاضة شملت “الرشوة السياسية”، و"الاحتيال في جمع التوقيعات"، و"تمويل مشبوه للحملة". والأخطر من ذلك، أن الحكم لم يقف عند شخصها، بل امتد ليشمل أربعة من أبنائها، ثلاثة منهم داخل الجزائر، أُدينوا بأحكام تراوحت بين 5 و8 سنوات، أما الرابع، المقيم في السنغال، فقد صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية، رغم غيابه الكامل عن التراب الجزائري طيلة فترة التحقيق.

الصور القادمة من المحكمة كانت صادمة. سيدة أعمال، أرملة، وأم لأربعة أبناء، تنهار أمام عدسات الصحافة وهي تصرخ: “خذوني أنا، واتركوا أولادي”. شهادة مؤلمة تجسّد لحظة انهيار ليس فقط لشخص، بل لثقة شعب كامل في ما تبقى من عدالة بلد يرزح منذ عقود تحت قبضة أجهزة الأمن والكابرانات. فهل أصبحت مجرد النية في الترشح، والتعبير عن برنامج انتخابي، جرماً يعاقب عليه القانون؟ هل المشاركة في حملة سياسية صارت قرينة فساد؟

قضية نغزة لم تكن معزولة. بل جاءت ضمن سياق أوسع من ملاحقة معارضي السلطة، خاصة أولئك القادرين على تعبئة الرأي العام. برفقة نغزة، حوكمت شخصيتان سياسيتان أخرتان: بلقاسم ساحلي وعبد الحكيم حمادي، رغم افتقارهما لشعبية أو وزن انتخابي مؤثر. الهدف كان واضحاً: منع تحول سعيدة نغزة إلى "أيقونة مقاومة" عبر إغراقها في ملف مشترك يخفي الطابع السياسي الصريح للملاحقة.

شهادات صادمة أدلى بها بعض المعتقلين خلال المحاكمة. تحدثوا عن تعرضهم للضرب والتعذيب والابتزاز النفسي، وعن إجبارهم على الإدلاء باعترافات ضد أنفسهم وضد نغزة. قال أحدهم إن القاضي أوقف الجلسة حين بدأ المتهمون يسردون وقائع التعذيب، في محاولة واضحة لطمس الحقائق ودفنها خلف جدران المحكمة.

من بين الأسماء اللافتة في هذا الملف، «كريم زادمي»، منسق الحملة الانتخابية بين نغزة وسلطة الانتخابات، أُدين بثماني سنوات فقط لأنه تولى إيصال استمارات الترشح إلى الهيئة. ما الذي فعله ليُتهم بالفساد أو التأثير غير المشروع؟ لا شيء. ملفه كان فارغاً إلا من الدور الطبيعي الذي يقوم به أي مساعد لحملة مرشح سياسي.

إن ما جرى لا يمكن تفسيره خارج سياق «تصفية حسابات سياسية». المرشحة السيدة سعيدة نغزة لم تكن مرشحة هامشية. كانت رئيسة منظمة أرباب العمل  CGEA، وتحظى بدعم بعض أوساط رجال الأعمال والناشطين الشباب، وقد تكون الوحيدة التي امتلكت خطاباً مغايراً للغة السلطة المألوفة. أرادت أن تنافس، أن تُسمِع صوتاً مغايراً، أن تحاور وتقدم مشروعاً اقتصادياً بديلاً. لكن كل ما جنته هو «الانتقام المؤسسي».

المؤلم في هذه القضية ليس فقط ظلم امرأة سُحقت تحت ثقل تهمة مختلقة، بل التدمير الممنهج لأسرتها، لحياتها، ولأفكارها . لا يوجد تقرير مالي، لا دليل موثق، لا تحويلات بنكية مريبة، فقط بضع فواتير حملة بسيطة، ومبالغ زهيدة لا تتجاوز عشرين ألف دينار جزائري، تُركت عمداً لتُضخَّم وتُستغل كأدلة إدانة.

إن هذا الحكم، وبشهادات منظمات حقوقية جزائرية ودولية، ليس إلا «محاكمة سياسية» مقنَّعة. فقد تغيّبت فيها معايير المحاكمة العادلة، وجرى فيها التضييق على المتهمين أثناء الجلسات، دون أن يُفتح تحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي رُفعت للمحكمة، رغم تكرار المطالبات.

إن ما حدث يوم 26 ماي 2025 لا يمكن محوه بسهولة. هو تاريخ سيتذكره الجزائريون كيوم وُئدت فيه إرادة سياسية بديلة، ومرشحة رئاسية طُردت من السباق لا من خلال صناديق الاقتراع، بل عبر «صناديق الاتهام الملفقة». إنه «عار قضائي»، وانعكاس لانهيار استقلالية العدالة تحت ضغط الإملاءات السياسية.

ولأن العدالة تُقاس بقدرتها على حماية الضعفاء، لا بمعاقبة الأقوياء، فإن ما جرى في قضية سعيدة نغزة سيبقى جرحاً مفتوحاً في الضمير الجزائري، وجريمة سياسية تُرتكب باسم القانون.

«في دولة تزجّ بمعارضيها في السجون وتُخرس صراخهم بالأحكام الجاهزة، لا مكان للحرية، ولا أمل في ديمقراطية.»

0 التعليقات: