في عالم السياسة، تختلط الشعارات بالمصالح، وتتحول المبادئ أحياناً إلى أقنعة تُخفي أجندات ضيقة، لا تمت للعدالة ولا لحقوق الإنسان بصلة. في هذا السياق، يتكرر في الإعلام التابع لجبهة البوليساريو والدوائر الجزائرية خبران يحملان مضمونًا متقاربًا من حيث الرسائل، ولكنهما متناقضان مع الوقائع الجيوسياسية والقانون الدولي: إشادة السفير المزعوم بـ"الدعم الثابت" من الجزائر لما يسمّى "القضية الصحراوية"، ومشاركة ما يُعرف بـ"السفارة الصحراوية بالجزائر" في احتفالات يوم أفريقيا، بوصفها كيانًا يمثل "شعبًا" يسعى للاستقلال والتحرر. وهنا لا بد من تفكيك الخطاب المضلل الكامن خلف هذه الرسائل.
أولاً، الحديث عن
"سفير صحراوي" في الجزائر لا يعدو كونه تكريسًا لواقع مصطنع، لا يستند إلى
أي اعتراف دولي شرعي. ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" ليست عضواً في منظمة
الأمم المتحدة، ولا في أغلب المنظمات الدولية والإقليمية المؤثرة، بل إن أكثر من
80 دولة كانت قد سحبت أو جمدت اعترافها بها، خصوصاً منذ أن طرح المغرب مبادرة الحكم
الذاتي سنة 2007 تحت السيادة المغربية، وهي مبادرة حظيت بتأييد واسع من قِبل قوى دولية
كبرى ومجموعة من الدول الإفريقية واللاتينية.
أما الترويج لمشاركة
ما يسمى "السفارة الصحراوية" في احتفالات يوم أفريقيا بالجزائر، فهو استثمار
سياسي انتقائي ومغرض لمناسبات تاريخية تتعلق بتحرر الشعوب من الاستعمار الحقيقي. ويُراد
من هذه المشاركة إقحام نزاع مفتعل في قضية نضالية نبيلة، لطالما كانت قارة أفريقيا
تتبناها ضد الأنظمة العنصرية والاستعمار التقليدي. لكن الفرق هنا واضح: الصحراء المغربية
ليست مستعمرة، بل منطقة تعود تاريخياً إلى السيادة المغربية، وتم تأكيد هذه الحقيقة
في العديد من القرارات الأممية التي تتحدث عن "حل سياسي متوافق عليه"، وليس
عن "تصفية استعمار".
الجزائر، من خلال هذا
الدعم الدعائي والسياسي والمادي، لا تنخرط في "مساعدة شعب على تقرير مصيره"
كما تدّعي، وإنما تستخدم البوليساريو كورقة ضغط إقليمية في مواجهة المغرب، في صراعٍ
قديم جديد، تغذيه حسابات جيواستراتيجية باردة لا علاقة لها لا بالتحرر ولا بحقوق الإنسان.
ولعل ما يُحرج الجزائر اليوم هو اتساع دائرة المطالبين بتحقيق دولي في انتهاكات حقوق
الإنسان داخل مخيمات تندوف، والانتهاك الصارخ للقانون الدولي من خلال تفويض جبهة مسلحة
إدارة منطقة داخل التراب الجزائري خارج سيادة الدولة.
أما فيما يتعلق بـ"الدعم
الشعبي الجزائري" الذي أشار إليه السفير المزعوم، فإن الحقيقة على الأرض لا تعكس
هذا الادعاء. الشارع الجزائري، الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، لم يُتح
له أن يُناقش بحرية حجم الأموال التي تُصرف على كيان لا وجود له خارج مخيمات مغلقة،
بينما المواطن الجزائري يُطالب بالخبز والحليب والزيت والحرية والعدالة. فهل دعم الشعوب
يُبنى على تغييب الحقائق، والتعتيم على معاناة من يُفترض أن الجزائر تساندهم، بينما
تتركهم لعقود أسرى داخل مخيمات تحت قبضة عسكرية مغلقة؟
بالمقابل، المغرب على
الأرض يبني ويستثمر في أقاليمه الجنوبية، ويحول مدن العيون والداخلة والسمارة
وبوجدور إلى مراكز اقتصادية حيوية، بشراكات دولية وبنية تحتية متطورة. والمؤسسات الأممية
التي زارت الأقاليم الجنوبية — من بينها مجلس الأمن ووكالات الأمم المتحدة — لم تجد
أثراً لـ"استعمار" مزعوم، بل وجدت استقراراً وتنمية، ودولة تمارس سيادتها
في إطار مبادرة سياسية عقلانية تمثّل المخرج الوحيد الممكن لهذا النزاع الذي طال أمده.
إن استخدام الجزائر
لأيام رمزية مثل "يوم أفريقيا" لا يُخفي حقيقة أنها باتت معزولة أفريقياً
في هذا الملف. فحتى داخل الاتحاد الإفريقي، لم تعد للجبهة الانفصالية نفس الهالة القديمة،
بعد أن بدأت غالبية الدول تعي أن تأبيد النزاع لا يخدم القارة، بل يكرّس الانقسام ويمنع
التكامل الإقليمي الذي تحتاجه أفريقيا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
في النهاية، يبقى الدعم
الحقيقي لقضايا التحرر في التزام واضح بمبادئ العدالة، وليس في صناعة كيانات وهمية
فوق أراضٍ جزائرية، والترويج لدبلوماسية زائفة تحت مسميات رمزية. دعم الشعوب لا يكون
بالتلاعب بالمفاهيم ولا برعاية انفصال مزعوم، بل بإحلال السلام والعدالة وفتح الآفاق
أمام الحلول الواقعية، مثل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتباره المشروع الوحيد
الجدي والمصداق لدى المجتمع الدولي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق