الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، مايو 26، 2025

سبع سنوات سجناً لمواطن بسبب نكتة على فيسبوك : عبده حقي


من موقع مواطن مغربي يتابع بقلق بالغ المشهد الحقوقي في الجارة الشرقية، وجدت نفسي مأخوذاً إلى عمق مأساة لا تبدو للوهلة الأولى سوى حادثة عبثية على هامش مواقع التواصل، لكنها في حقيقتها مرآة مكبرة لحال دولة تقف على خط النار بين سُلطة متجبرة، وشعب مكسور الظهر، تتآكله التناقضات والانقسامات.

القصة بدأت بنكتة… نعم نكتة! شاب جزائري يدعى "عادل سويزي"، كوميدي ساخر على شبكات التواصل الاجتماعي، صانع محتوى يتابع الملايين من الجزائريين على "فيسبوك" و"تيك توك"، صعد نجمه بفضل أسلوبه الجريء في السخرية من تناقضات المجتمع الجزائري. في أي بلد طبيعي، يوصف هذا النوع من الكوميديا بالمرآة العاكسة أو بصوت الهامش، أما في الجزائر الرسمية، فهو "تهديد للوحدة الوطنية" و"خطر على استقرار البلاد".

في السادس عشر من ماي الجاري، اقتادته الشرطة إلى زنزانة، وعرضته شاشات التلفزيون الرسمي على أنه "خطر على الأمن القومي"، عُرضت هاتفه، كما لو أننا أمام مجرم دولي ! والسبب: نكتة نشرها عن الطريق المؤدية إلى وهران، حيث كتب أن "من يسرع لا ينتظر عائلة بل ينتظره ملهى ليلي"، في إحالة إلى الطابع الاحتفالي لمدينة وهران، وهو توصيف شعبي معروف يُتداول في المزاح الجزائري دون حساسية.

لاحقاً، انتقد مدينة قسنطينة في منشور ساخر، مشيراً إلى التاريخ اليهودي للمدينة، مستلهماً بذلك مخزوناً اجتماعياً من التحيزات الشعبية التي تُتداول شفاهة في جلسات الأصدقاء والمقاهي، لا من باب الكراهية، بل من باب المزاح، كما تفعل كل الشعوب مع خصوصيات مدنها ولهجاتها.

لكن الأمور لم تتوقف عند حدود السخرية، فقد بادر نائب برلماني من وهران إلى رفع دعوى قضائية ضده، مستنداً إلى "قانون مكافحة خطاب الكراهية" الصادر في أبريل 2020. هذا القانون، الذي كان يُفترض أن يحمي الفئات الهشة من الإقصاء والتحريض، تحول إلى أداة سياسية للانتقام، يُستخدم بشكل انتقائي، وبدون تعريف دقيق للمصطلحات، في تجريم حرية الرأي والتعبير.

هل ما قاله سويزي يُعد فعلاً خطاب كراهية؟ في ظني، ومن خلال معاينتي الدقيقة لنص القانون الجزائري ذاته، فإن المعايير المنصوص عليها لا تنطبق على ما نشره هذا الشاب. فالقانون يعرّف خطاب الكراهية بأنه كل تعبير يحرّض على العنف أو يُهين أو يُقصي بسبب الأصل أو الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة… فهل انتقد سويزي سكان وهران بسبب أصلهم العرقي؟ هل دعا إلى العنف؟ هل حرض على الكراهية الطائفية؟ أبداً. لقد استخدم نمطاً فكاهياً متداولاً بكثافة بين الشباب، لم يدعُ فيه إلى الكراهية أو الإقصاء، بل إلى الضحك… فقط الضحك!

الأكثر مأساوية، أن النيابة العامة طالبت بسبع سنوات سجناً نافذاً ضد سويزي. سبع سنوات كاملة، لمجرد نكتة! وهنا لا بد أن نقولها بصراحة: هذا ليس عدلاً، بل ضربٌ من الجنون السياسي.

ما يجعل الوضع أكثر قسوة هو أن النظام الجزائري، منذ حراك 2019، لم يكتفِ بإغلاق المجال العام أمام الأصوات السياسية، بل انتقل إلى قمع التفاعلات الشعبية على الإنترنت. في عز جائحة كوفيد، استغل النظام غياب الاحتجاجات لتمرير قوانين فضفاضة، من بينها قانون يجرم نشر الأخبار الكاذبة، وآخر يُخضع التعبير الساخر لمقصلة "الوحدة الوطنية". لم يتم تحديد ما هي الأخبار الزائفة، ولا من يقررها، ولا كيف يُقاس خطرها. وهكذا، بات التعبير الحر رهينة لمزاج القاضي أو حسابات أجهزة الأمن.

إننا أمام دولة تجرّم النكتة وتشيطن الضحك. دولة تطارد خفة الروح وتجرها إلى أقبية الزنازين. دولة تعتقد أن النقد خطر أمني، وأن الضحك فعل تخريبي. وللأسف، جزء من الشعب صار يصفق لهذا العسف، كأن القمع أصابه بعدوى نفسية، فصار يسعى إلى جلد ذاته قبل أن تجلده السلطة.

أيها الجزائريون، إنني أكتب من المغرب، لا شماتة في ما حل بكم، بل تضامناً معكم. لأن من يقتل حرية الكلمة اليوم، سيقتل الإنسان غداً. النكتة التي يسجن لأجلها سويزي قد يسجن بسببها أي صحافي أو مغرد أو فنان غداً. وبلد لا يستطيع أن يضحك من نفسه، لا يمكنه أن ينهض.

أعيدوا النظر في قوانينكم. راجعوا مفهوم "الوحدة الوطنية". فهي لا تُحمى بالزنازين، بل بالثقة والانفتاح. سويزي لا يستحق السجن، بل ربما يحتاج من ينصحه ويقوّم أسلوبه. أما أن يُقدَّم على أنه إرهابي رقمي، فتلك فضيحة أخلاقية وقضائية تعري حجم الهاوية التي تنزلق إليها الجزائر الرسمية.

وختاماً، أقولها بمرارة: إذا كانت النكتة جريمة، فأنتم تعيشون في جمهورية الخوف، لا في دولة. وإذا كانت السخرية جناية، فأنتم تقودون شعباً من الأموات لا من المواطنين. حاكموا الفساد لا الضحك، واصلحوا الدولة لا الفيسبوك. فالأوطان لا تُبنى بالسجون بل بالحوار.

0 التعليقات: