الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يونيو 12، 2025

سنوات ضوئية بين الدعايات الواهية والإنجازات القوية : عبده حقي


في الوقت الذي تواصل فيه جبهة البوليساريو ضخَّ روايات متكررة داخل أروقة لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، محاولةً تقديم قضية الصحراء المغربية كـ"مسألة تصفية استعمار"، تتكشف على الأرض معطيات سياسية وتنموية تُكذب هذه الادعاءات، وتؤكد عدالة الموقف المغربي وواقعية مقترحه للحكم الذاتي، الذي بات يحظى بتأييد دولي متصاعد، بما في ذلك من دول ومكونات سياسية كانت تاريخيًا أقرب إلى موقف البوليساريو.

جبهة البوليساريو، ومن خلفها النظام الجزائري، لم يتوقفا يومًا عن محاولة تأطير النزاع المفتعل ضمن سردية استعمارية تقليدية، متجاهلين التحولات العميقة التي عرفها هذا الملف، سواء داخل الأمم المتحدة أو على الأرض. ففي 11 يونيو 2025، حاولت الجبهة عبر ما يسمى بـ"المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان" تقديم شهادات أمام لجنة الـ24 توثق "انتهاكات جسيمة" مزعومة من قبل المغرب. غير أن هذه الادعاءات تبقى، كسابقاتها، مجرد أداة سياسية لإحياء مشروع فقد صداه دوليًا، ولا تدعمها تقارير موضوعية أو منظمات حقوقية معترف بها دوليًا.

وإذا كانت لجنة الـ24 نفسها، التي تأسست في سياقات الستينات، ما تزال تُستخدم كمنبر بروتوكولي لترويج الخطابات القديمة حول "تصفية الاستعمار"، فإن الواقع الدولي يتجه نحو مقاربة أكثر براغماتية، تعتبر الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب عام 2007 أساسًا معقولًا وواقعيًا لحل النزاع. فقد تبنت قوى دولية مركزية مثل الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا، وهولندا هذا المقترح كحل جاد وموثوق. واللافت أن هذا التحول لم يعد حكرا على الغرب، بل امتد إلى قوى في الجنوب العالمي، كما حصل مؤخرًا مع «حزب أومكونتو ويسيزوي» الجنوب أفريقي، الذي خرج من عباءة الخطاب الأيديولوجي التضامني وأعلن تأييده الصريح لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

إن هذا الموقف الجديد من حزب يتزعمه الرئيس الجنوب أفريقي السابق «جاكوب زوما» يمثل نقطة انعطاف رمزية، خصوصًا أن جنوب أفريقيا كانت دائمًا من بين الداعمين التقليديين للبوليساريو. ويكشف هذا التحول عن وعي جديد بطبيعة الصراع، وعن فهم أعمق لحقيقة أن البوليساريو ليست "حركة تحرر"، بل كيان انفصالي تدعمه أجندات إقليمية لا علاقة لها برفاه سكان الصحراء.

وعلى الأرض، تبرز المشاريع التنموية الكبرى التي يقودها المغرب في أقاليمه الجنوبية كبرهان واقعي يُفند ادعاءات "الاحتلال" المزعوم. ففي الوقت الذي تروج فيه جبهة البوليساريو مزاعم بـ"نهب الثروات"، يشهد الجنوب المغربي إقلاعًا تنمويًا غير مسبوق، تم تتويجه بوصول مكونات طواحين الهواء إلى منطقة الداخلة في إطار مشروع ضخم للطاقة المتجددة. وتعتبر هذه المشاريع جزءًا من رؤية شاملة لدمج الصحراء ضمن النموذج التنموي الوطني، حيث يتم الاستثمار في البنية التحتية، التعليم، والصحة، وتمكين الساكنة المحلية اقتصاديًا واجتماعيًا.

أما الزج باسم رئيس الحكومة المغربي ضمن هذه المشاريع التنموية من طرف منظمات مثل WSRW، فهو لا يعدو كونه محاولة أخرى لتسييس كل أشكال التقدم الاقتصادي في المنطقة، رغم أن هذه المشاريع خاضعة للقانون المغربي وتستفيد منها الساكنة المحلية مباشرة، وتندرج في إطار خطة تنموية ديمقراطية شفافة.

إن المغرب، من خلال ربط التنمية بالدبلوماسية، يدير ملف الصحراء بمقاربة مزدوجة: دفاع سياسي هادئ على المستوى الدولي، وإقلاع اقتصادي ملموس محليًا. وفي مقابل ذلك، تبقى البوليساريو سجينة ضحية خطاب عقود الحرب الباردة واستعمار وهمي، تعتمد على تكرار مصطلحات عفا عنها الزمن وعلى استجداء التضامن الأيديولوجي من دول لم تعد ترى في هذا النزاع أولوية استراتيجية.

وفي ضوء كل ما سبق، يتضح أن رهان المغرب على التنمية والبناء المؤسساتي والمقاربة التشاركية مع ساكنة الأقاليم الجنوبية هو ما يرسخ مغربية الصحراء على الأرض، أكثر مما تفعل الشعارات والخطب داخل لجان الأمم المتحدة. وبينما تُصر جبهة البوليساريو على العودة إلى منطق الحرب الباردة ومفاهيم الستينات، يبني المغرب مستقبلًا حديثًا يشمل كافة أقاليمه، ويجعل من الحكم الذاتي إطارًا واقعيًا لتسوية عادلة ودائمة تحترم سيادة الدول وتضمن كرامة السكان.

في النهاية، فإن الصراع في الصحراء لم يعد اليوم صراعًا على الأرض فقط، بل على المعنى، وعلى من يمثل حقًا مصالح الساكنة المحلية. ومع توالي اعترافات الدول والمنظمات بشرعية الموقف المغربي، يتكرس الفهم بأن مستقبل الصحراء لا يُرسم في مخيمات تندوف، بل في مشاريع الداخلة والعيون، وفي رؤية تنموية يتشارك فيها المغاربة من كل الجهات.

0 التعليقات: