الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يونيو 12، 2025

انهيار الدولة بين اعترافات الهاربين وخيانة المقرّبين: ترجمة عبده حقي


تشهد الساحة الجزائرية في الآونة الأخيرة تصاعداً غير مسبوق في تسريبات مدوّية وفضائح متلاحقة تكشف عمق الأزمة التي تعصف بمؤسسات الدولة وتُعرّي شبكة النفوذ والفساد التي تحكم البلاد من خلف الستار. هناك أخبار انتشرت كالنار في الهشيم خلال الساعات الأخيرة، تحوّلت من محتوى إعلامي إلى وثائق اتهام سياسية، تهزّ صورة النظام من الداخل وتضع العديد من رجالاته في مرمى الشكوك المحلية والدولية.

في مقدمة هذه الهزّات الإعلامية، جاء الخبر الذي تناول الاعترافات الصادمة في قضية "أمير دي زاد"، أحد أبرز الأصوات المعارضة للنظام الجزائري من الخارج. اللافت في هذا التطور ليس فقط صدور «مذكرات توقيف دولية»، بل أيضاً ما تضمنته الاعترافات من «تفاصيل دقيقة عن تورط مسؤولين كبار» في عمليات تجسس، ابتزاز، وتهريب أموال، ما يعكس أن المعركة لم تعد مجرد مواجهة بين نظام ومعارض، بل تفكك داخلي بدأ يأكل أطراف الدولة من الداخل.

أما التسريب الثاني، فهو بمثابة «قنبلة سياسية موقوتة» فجّرها عبد القادر بن قرينة، أحد الشخصيات المقربة من دوائر الحكم، والذي كشف «أنه كان يطّلع على رسائل رئاسية رسمية قبل وصولها للرئيس تبون نفسه». هذه الشهادة لا تُدين فقط آليات صناعة القرار في قصر المرادية، بل تضع علامات استفهام خطيرة حول من يحكم فعلياً في الجزائر، ومن يُسرب أسرار الرئاسة إلى أطراف سياسية قبل مرورها عبر القنوات الدستورية. هي صورة فاقعة لانهيار الهيبة المؤسسية وتحوّل الرئاسة إلى واجهة رمزية تُدار من خلف ستار معتم.

أما الوثيقة الثالثة، فتتناول «التحول الغامض لرجل يُدعى بن مليسة»، الذي انتقل من كونه "بائع بسيط" إلى ملياردير يترأس "إمبراطورية مالية"، في قصة أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. هذا المسار المريب لا يسلّط الضوء على ثروات مشبوهة فحسب، بل يربطها بمنظومة فساد مزمنة تعمل على تمويل مراكز النفوذ السياسية مقابل حماية، وتحويل المال العام إلى شركات وهمية وأرصدة خارجية.

إن اجتماع هذه القضايا في ظرف زمني واحد، ليس مجرد صدفة، بل «مؤشر خطير على اهتزاز البنية العميقة للنظام الجزائري»، وتكشّف ما كان مستوراً لسنوات. نحن أمام مرحلة تتجاوز الحسابات الانتخابية أو الصراعات الأيديولوجية، إلى «تفكك حقيقي لأعصاب السلطة، حيث باتت الوثائق تُسرّب، والاعترافات تُذاع، والفضائح تتحول إلى مادة شعبية يستهلكها الرأي العام عبر وسائل التواصل».

إنها «جمهورية الأسرار التي تتهاوى أمام أعين مواطنيها والعالم»، جمهورية لم يعد فيها للثقة موقع، ولا للمؤسسات وزن، حيث الرئاسة تُخترق، والقضاء يُوظف، والمال يُنهب، والمعارضة تُطارَد بمذكرات حمراء، بينما الخونة الحقيقيون يتنقلون بحرية داخل الدولة.

في النهاية، هذا المشهد يضع الجزائر أمام أحد أخطر مفترقات الطرق منذ الاستقلال: فإما «إعادة تأسيس جمهورية قانونية شفافة» عبر إرادة وطنية جديدة، أو مواصلة الانهيار البطيء لمؤسساتها في ظل تآكل شرعية الحكم وانكشاف عورات النظام أمام الجميع.

0 التعليقات: