رغم التقدّم الكبير الذي حققته المملكة المغربية على المستويات الدبلوماسية والتنموية في أقاليمها الجنوبية، لا تزال بعض الأصوات، من حين لآخر، تحاول تضليل الرأي العام الدولي من خلال تكرار أسطوانة مشروخة عن "الاحتلال" و"القمع"، كما جاء مؤخرًا في تصريحات السيد كمال فاضل، ممثل جبهة البوليساريو في أستراليا ونيوزيلندا، والسيدة أمينتو حيدر، رئيسة الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي. وهما وجهان لعملة واحدة، تُغذيها أوساط جزائرية رسمية وتخدم أجندة انفصالية لا تجد لها صدى إلا في الهامش الإعلامي والسياسي الدولي.
لا يمكن تناول موضوع
الصحراء المغربية بمعزل عن التاريخ والواقع والقانون. الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب
المغربي، وهذه الحقيقة ليست وليدة اليوم، بل موثقة في وثائق تاريخية تعود إلى قرون،
ومُعترف بها ضمنيًا من طرف الأمم المتحدة التي لم تعتبر المغرب قوة احتلال، كما تزعم
تصريحات كمال فاضل. بل إن الرباط تمارس سيادتها بشكل فعلي ومستمر على الصحراء منذ استرجاعها
عام 1975 بعد توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية، التي أنهت الوجود الاستعماري الإسباني
في الأقاليم الجنوبية.
ومنذ ذلك الحين، عمل
المغرب على دمج هذه الأقاليم في نسيجه الوطني، عبر مشاريع تنموية كبرى، بنيات تحتية
متطورة، وإطلاق نموذج تنموي جديد في الأقاليم الجنوبية سنة 2015، بميزانية تجاوزت
77 مليار درهم. فهل يعقل أن توصف هذه الجهود بـ"الاحتلال"؟ إن استعمال هذا
المصطلح في السياق المغربي يفرغ المفهوم القانوني والسياسي من محتواه، ويكشف عن خطاب
دعائي متهافت، بعيد عن الموضوعية.
من جانبها، تواصل السيدة
أمينتو حيدر تسويق صورة نمطية عن "شعب مضطهد" و"قمع مستمر"، متجاهلة
أن منطقة الصحراء تعيش اليوم استقرارًا سياسيا وتنمويًا، وتحظى بحرية تعبير وتعددية
سياسية قلّ نظيرها في كثير من الدول المجاورة. فالسيدة حيدر نفسها تمارس نشاطها السياسي
والإعلامي بكل حرية، وتسافر وتُكرّم وتخاطب الصحافة الأجنبية، فكيف يعقل أن يجري
"قمعها" كما تدعي، وهي التي تقود هيئة انفصالية وتطلق تصريحات عدائية من
قلب العيون والداخلة؟
واقع الأمر أن منطق
الضحية الذي تتبناه حيدر لا يهدف إلى كشف "انتهاكات"، بل إلى تبييض وجه مشروع
انفصالي فشل عسكريا وسياسيا، ولم يعد له سوى ورقة الاستعطاف الحقوقي، التي باتت مكشوفة
أمام المنظمات الجادة التي تتحرى المصداقية.
ما يجب أن يُقال بوضوح
هو أن جبهة البوليساريو ليست سوى أداة ضمن مشروع استراتيجي جزائري يهدف إلى إضعاف المغرب
وتطويق نفوذه الإقليمي. الدعم المالي واللوجستي والإعلامي والسياسي الذي توفره الجزائر
للبوليساريو لم يعد خافيا على أحد، بل أصبح موثقا في تقارير عديدة، منها ما صدر عن
البرلمان الأوروبي ووسائل إعلام أمريكية وفرنسية مستقلة.
وبدل أن تُكرّس الجزائر
جهودها لتنمية جنوبها وتلبية مطالب شعبها، تصر على صرف المليارات على كيان وهمي في
مخيمات تندوف، حيث تنعدم الحقوق والحريات الحقيقية، وتنتشر تقارير عن اختلاس المساعدات
الإنسانية وغياب آليات المحاسبة.
في مقابل هذه الأصوات
النشاز، فإن الواقع الدبلوماسي يُظهر تغيّرا عميقا في مواقف الدول الكبرى تجاه النزاع.
فالمبادرة المغربية للحكم الذاتي التي طُرحت عام 2007 لم تعد مجرد اقتراح تفاوضي، بل
أصبحت الأساس الواقعي الوحيد الذي يحظى بقبول دولي واسع. فقد عبّرت الولايات المتحدة،
وإسبانيا، وألمانيا، وهولندا، ودول إفريقية وآسيوية عديدة عن دعمها الصريح لهذا الخيار،
معتبرة إياه "جادًا وذو مصداقية".
وفي أحدث الأمثلة،
أعلنت المملكة المتحدة في يونيو 2025 عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي كـ"حل واقعي
وموثوق"، وهو ما يعكس تزايد قناعة المجتمع الدولي بأن خيار الانفصال لم يعد مقبولًا،
لا قانونيًا ولا جيوسياسيًا.
إن الخطاب الذي يروج
له أمثال كمال فاضل وأمينتو حيدر لا يخدم "قضية شعب"، بل يُطيل أمد معاناة
آلاف المغاربة الصحراويين المحتجزين في تندوف، حيث تُمنع عنهم حرية التنقل والتعبير
والانخراط في الحياة العامة. فبدل أن يُمنحوا فرصة اختيار مستقبلهم ضمن سيادة مغربية
تضمن لهم الحقوق والكرامة، يُفرض عليهم العيش في عزلة تامة تحت سلطة غير منتخبة ولا
شرعية.
إن دفاع المغرب عن
وحدته الترابية لا يعني إقصاء الصحراويين، بل العكس تمامًا. فهُم شركاء في التنمية،
وممثلون في المؤسسات الوطنية، ويُشاركون في الانتخابات ويُسيرون المجالس الجهوية والمحلية،
مما يجعل من الخطاب الانفصالي نوعًا من التزوير الصارخ للواقع.
إن المغرب في صحرائه،
وسيظل كذلك، ليس بالشعارات ولا بالمغالطات، بل بحقائق التاريخ والجغرافيا والقانون،
وبإرادة شعبه في الشمال والجنوب على حد سواء. وكلما ازداد خطاب الكذب والانفصال، زاد
إصرار المغاربة على التلاحم الوطني وعلى مواصلة مسيرة التنمية التي تجعل من الأقاليم
الجنوبية نموذجًا للاندماج والسيادة المستقرة.
وأمام هذه المعطيات،
فإن نداءات كمال فاضل وتصريحات أمينتو حيدر لا تعدو كونها صدى لبروباغندا متآكلة، فقدت
معناها ومصداقيتها، وآن الأوان لدفنها في أرشيف الخرافات السياسية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق