الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، يونيو 03، 2025

صحفي جزائري يكشف أسرار التحقيق الأخطر: عبده حقي


في حوار صادم واستثنائي، أطلق الصحفي الفرنسي من أصل جزائري محمد سيفاوي جملة من الاتهامات والتحقيقات الاستقصائية التي تُنذر بأزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين باريس والجزائر. سيفاوي، المعروف بتحقيقاته العميقة في قضايا الإرهاب والإسلام السياسي، كشف أن جهاز المخابرات الجزائري نفّذ، تحت غطاء دبلوماسي، عملية اختطاف فاشلة استهدفت المعارض البارز أمير ديزاد فوق التراب الفرنسي.

حسب رواية سيفاوي، التي أكد أنها مدعومة بمصادر فرنسية وجزائرية رفيعة، بدأت القصة في مايو 2024 حين فتحت الشرطة القضائية الفرنسية تحقيقاً حول "الاختطاف والاحتجاز القسري"، تبيّن لاحقاً أنه لا يقتصر على جريمة جنائية معزولة. مع توالي التحقيقات، ظهرت أدلّة دامغة على تورّط شخصيات دبلوماسية جزائرية في العملية، بينها نائب القنصل في كريتاي والسكرتير الأول لسفارة الجزائر بباريس، إضافة إلى "موظف مدني متعاون مع جهاز المخابرات الخارجية DDSE"، تم وضعه تحت المراقبة القضائية لأسباب صحية.

سيفاوي أوضح أن هذه الشخصيات، بحسب بيانات تقنية (مثل تحديد الموقع الجغرافي للهاتف) وشهادات شهود، تورّطت في مراقبة الضحية، تحديد سكنه، وتجنيد منفذين مقابل مبالغ مالية كبيرة، قُدّرت أولاً  ب50 ألف يورو، قبل أن يتبيّن لاحقاً أنها فاقت ذلك بكثير.

في نهاية 2024، تدخلت مديرية الأمن الداخلي الفرنسية (DGSI) بعد أن كشفت التحقيقات عن تورّط مسؤولين رسميين جزائريين. هنا اتخذت القضية منحىً سياسياً وأمنياً. وتشير الوثائق – بحسب سيفاوي – إلى أنّ التحقيق القضائي تم نقله إلى النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب (PNAT)، مما يعكس جسامة التهم المطروحة، التي تتجاوز العمل الاستخباراتي التقليدي إلى مستوى "العمل العدائي على أراضٍ أجنبية".

رغم هذا، لم تصدر النيابة حتى الآن أي مذكرة توقيف دولية، ما يثير تساؤلات عديدة حول التوازن الدقيق الذي تحاول باريس الحفاظ عليه في علاقتها المعقدة مع الجزائر.

من أكثر النقاط إثارة في شهادة سيفاوي، حديثه عن "الاستخفاف الجزائري بالسيادة الفرنسية"، إذ يعتقد أن السلطات الجزائرية تصرفت وكأن فرنسا "ولاية جزائرية"، معتادة على الإفلات من العقاب، نتيجة سنوات من "العلاقات السامة والمجاملات السياسية المتبادلة".

وأكد سيفاوي أن بعض المنفّذين في محاولة الاختطاف، والذين تم توظيفهم كـ"مقاولين فرعيين"، لم يكونوا يعلمون أن الهدف سياسي، ما دفعهم إلى التراجع في اللحظة الأخيرة وإطلاق سراح ديزاد، في ما يُعدّ "فشلاً استخباراتياً مدوياً".

المثير في التحقيق أيضاً أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان، بحسب مصادر فرنسية رسمية نقلها سيفاوي، مهووساً شخصياً بشخصية ديزاد، إلى درجة أنه كان يثير قضيته في كل اجتماع رفيع مع مسؤولين فرنسيين، بمن فيهم الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه.

ويكشف سيفاوي أن القرار بتنفيذ العملية اتُّخذ خلال اجتماع أمني رفيع في يناير 2024، حضره كبار قادة الأمن الجزائري، من بينهم قادة المديرية العامة للأمن الخارجي، والمخابرات العسكرية، والشرطة، والدرك.

في تطوّر متزامن، أوردت صحيفة "لكسبرس" الفرنسية أن باريس تدرس – ضمن "رد دبلوماسي متدرج" – إمكانية تجميد أصول مالية وممتلكات تعود لمسؤولين جزائريين حاليين وسابقين. وبحسب سيفاوي، تضمّنت القائمة الأولية أسماء 54 شخصية نافذة، من بينهم اثنان من أبناء الرئيس تبون، يمتلكان حسابات مصرفية وممتلكات عقارية وتجارية في فرنسا.

وفي رد عنيف، وصفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية هذه المبادرة بـ"الابتزاز"، مدّعية أن الأموال تعود لمسؤولين سابقين "متورطين مع نظام بوتفليقة".

أخطر ما تكشفه هذه القضية، كما يوضح سيفاوي، هو الصمت الفرنسي المطبق رغم جسامة المعطيات: محاولات اختطاف، تورّط دبلوماسيين رسميين، اعتداء على السيادة، وتهديد لأمن اللاجئين السياسيين. ورغم ذلك، لم تُصدر الدولة الفرنسية، ولا النيابة، أي موقف رسمي حتى الآن.

"إنّها علاقة مختلة، قائمة على الخضوع وليس الندية"، يعلّق سيفاوي، متمنيًا أن تكون هذه الأزمة فرصة لإعادة رسم العلاقة الثنائية على أسس الشفافية والسيادة المتبادلة، لا على الصفقات الرمادية.

يُنتظر أن ينشر سيفاوي خلال أيام قائمة الأسماء الكاملة المتورطة في قضية الأصول المجمدة، بعد استكمال التحقق من التفاصيل البنكية. وعلى الرغم من التهديدات والهجمات التي طالته، يؤكد سيفاوي أنه "لن يتراجع"، مضيفًا: "ما أقوله اليوم لا يمثل إلا 20% من حقيقة ما أعلمه... والباقي أكثر خطورة مما تتخيلون".

إن هذه القضية، بتعقيداتها السياسية والاستخباراتية، تضع العلاقة الجزائرية الفرنسية في عين العاصفة. وهي تذكير صارخ بأن زمن "الصمت مقابل المصالح" بدأ ينهار تحت وطأة الإعلام الاستقصائي، والرأي العام، وأمن الدول المضيفة. أما القادم، فيبدو أنه لن يقل خطورة عما تم كشفه حتى الآن.

0 التعليقات: