في الوقت الذي تحاول فيه بعض الأحزاب الجزائرية، كحزب التحالف الوطني الجمهوري، الترويج لدعم مزعوم لما يسمى بـ"الشعب الصحراوي"، يتأكد يوماً بعد يوم أن هذه المواقف لا تتجاوز حدود المجاملة السياسية داخل الفضاء المغلق للدعاية الجزائرية، ولا تعكس واقعاً سياسياً أو دولياً يتغير بثبات لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي. اللقاء الأخير بين رئيس الحزب الجزائري بلقاسم ساحلي وسفير ما يُسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" في الجزائر، خطري أدوه، ليس سوى تكرار مألوف لخطاب مر عليه الزمن ولم يعد يجد له صدى إلا في دوائر إعلامية مغلقة كوكالة أنباء "واص"، الذراع الإعلامية للجبهة الانفصالية.
لكن على الجانب الآخر،
تقف الوقائع على الأرض لتكشف الفارق الجوهري بين خطاب الحشد العاطفي الذي تقوده جبهة
البوليساريو بدعم من النظام الجزائري، وبين الأداء السياسي والدبلوماسي الواقعي والفعال
الذي تقوده المملكة المغربية، خاصة في أقاليمها الجنوبية. ولعل أبرز تجليات هذا الفارق
يتجسد في المشهد القاري والدولي المتحول، والذي أصبح فيه الدعم للمغرب متزايداً، ليس
فقط في أروقة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بل حتى في الفعاليات الثقافية والشعبية،
كما حدث في مهرجان "يوم أفريقيا" الأخير بجزر الكناري.
ففي هذا المهرجان،
الذي يُعد مناسبة رمزية للاحتفاء بالوحدة والتنوع الأفريقي، لم يكن غياب البوليساريو
صدفة أو إجراء تقني، بل تعبيراً واضحاً عن موقف متزايد في العواصم الأفريقية والغربية
من عبثية حضور كيان غير معترف به دولياً. إن استبعاد الميليشيا الانفصالية من هذا الحدث،
بدعم من السكان المحليين بجزر الكناري، يعكس بجلاء تحوّل الموقف الشعبي والمؤسساتي
تجاه الأطروحة الانفصالية، مقابل الاعتراف المتنامي بالمغرب كفاعل جاد ومسؤول في محيطه
الجغرافي والسياسي.
في مقابل ذلك، لم تقدم
الجبهة الانفصالية ولا داعموها في الجزائر أي تطور عملي أو مشروع حقيقي للتسوية أو
التنمية. لا تزال تعتمد على خطاب "المظلومية" وعلى التحركات الشكلية في مقرات
السفرات أو بعض المحافل التابعة للأنظمة المتواطئة معها. وهو خطاب بدأ يفقد صدقيته،
خصوصاً أمام الإنجازات الميدانية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة، حيث أصبحت
مدن كالعيون والداخلة والسمارة وبوجدور مراكز جذب اقتصادي ودبلوماسي واستثماري، وأرضية
لتفعيل النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه المغرب منذ سنوات في هذه المنطقة.
وإذا كانت الجزائر
تحاول أن توهم نفسها والعالم بأنها تدعم "قضية تحرر"، فإن الحقائق على الأرض
تقول غير ذلك. فالدولة الجزائرية، التي لم تنجح في توفير الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية
داخل حدودها، تصرّ على تمويل وتسليح ميليشيا انفصالية لا تمثل سوى أقلية صغيرة في مخيمات
تندوف. وحتى هذا "الدعم" بدأ يعاني من التآكل، في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية
التي تعصف بالنظام الجزائري داخلياً، وانكشاف الطابع العدواني لاستراتيجيته في شمال
أفريقيا ومنطقة الساحل.
لقد تحوّل المغرب إلى
شريك موثوق على الصعيد الإقليمي والدولي، يقدّم مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي، مدعوم
دولياً من قبل قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، إسبانيا، والإمارات. وهي مبادرة
تضع الأسس لحل سياسي دائم، يضمن كرامة السكان ويحقق الاستقرار للمنطقة، على عكس أطروحة
الاستفتاء التي أكل عليها الدهر وشرب.
إن عزلة البوليساريو
تتسارع، ليس فقط بفعل تغير موازين القوى الإقليمية، ولكن أيضاً لأن الخطاب الانفصالي
لم يعد قادراً على إقناع أي أحد في ظل التناقضات الصارخة بين ما تروج له الجبهة وبين
واقعها المتدهور في المخيمات، وغيابها عن الفضاءات الجادة للنقاش السياسي. والنتيجة
أن الجبهة باتت تجد متنفسها فقط في أخبار صادرة من وكالة دعائية، ومجاملات شكلية من
أحزاب جزائرية هامشية.
في الختام، تؤكد المعطيات
أن معركة الصحراء لم تعد معركة بيانات وتصريحات، بل أصبحت معركة مشروعات ومؤسسات وتنمية.
وفي هذا السياق، يواصل المغرب توسيع شبكة الاعترافات والدعم، بينما تزداد عزلة أعدائه.
وبينما تختار الجزائر سياسة "العناد الإيديولوجي"، يختار المغرب سياسة
"البناء والتقارب"، وهو ما سيُكتب له النصر، لأن من يراهن على الشعوب وعلى
التنمية وعلى الواقعية السياسية، هو من يملك المستقبل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق